
ـ تبوس ايدك يا بيه .
وهنا شردت في أفكاري ، كل اللى أنا فيه ده مجرد حلم قصير هصحى منه لمّا الكل يكتشف حقيقتي ، قاتل هربان ، هارب من جريمة إزعاج مش عارف عملتها امتي وازاي ، حتي غسان بيه وثق فيا ومقربني منه لأني مزور كبير ، كل الكشوفات والأوراق والمستندات اللى بعملها دي حرام في حرام ، أنا مش عارف أعمل إيه ، لو بلغت الشرطة عن غسان بيه هبقي بسلم نفسي ليهم ، رغم النقلة الاجتماعية اللى بقيت فيها بس ضميري بيعذبني ، حاولت أعوض تأنيب الضمير ده بإني رفعت رواتب العمال والأنفار وقللت ساعات العمل وخصصت حصة من الخضروات والثمار مجانا لكل عامل في المزرعة ، وبقيت بعمل مكافآت للمجتهد في عمله ووزعت كل النساء وكبار السن في الأعمال السهلة اللى مفيهاش مجهود بس رغم كل ده وضميري بيأنبني ، كل الناس بتبص لي من برا فقط ، أنا الوحيد اللى ببص لنفسي من جوه ، أنا من جوه مجرد مجرم هارب من العدالة ، ومزور محترف بيقلب الحق باطل ، المهم أفقت من شرودي على قول عم حسن :
ـ المعلم إيهاب وصل يا بيه .
سرت ناحية الفيلا مع عم حسن لمقابلة المعلم إيهاب ، حينما نظر لي كان مرتبكا قليلا ولا أعرف سر ارتباكه لكني رحبت به وبالغت في الترحيب حتي أزيل عنه ارتباكه ، وطلبت من الخجرح إحضار قهوة لنا نحن الثلاثة ، ثم قمت بتسجيل تفاصيل الشحنة التى يريدها المعلم وحينما انتهي عم حسن من قهوته طلبت منه في أدب أن يجهز الشحنة للمعلم إيهاب ، ثم قمت بتسجيل بيانات الشحنة على برنامج أعددته خصيصا لمثل هذه الأمور ( تاريخ الشحنة ـ نوعها ـ مقدارها ـ تاريخ تسليمها ـ ثمنها ـ اسم المستلم ـ عنوانه ـ …. ) ،
وبعد ساعة من الحديث مع المعلم إيهاب حول الأسعار والسوق سمعت عم حسن ينادي من بعيد ليخبرني إنّه تم شحن الحصة المطلوبة ، ودّعت المعلم إيهاب وهو يغادر لكنه طلب مني أن اصحبه في سيارة النقل إلى أول طريق المزرعة ، ركبت معه وحينما تحرك بالسيارة أخذ يمدح في أخلاقي ومعاملتي النزيهة وكيف أن شاهين كان يرفع الأسعار وينصب عليه ، وكنت أسمع دون رد حتى وصلنا عن باب المزرعة الرئيسي ، فطلبت الإذن ثم نزلت من السيارة ، فنزل هو الآخر ودس في يدي رسالة مغلفة وقال :
ـ غريب بيه … أرجو أن محدش يعرف بأمر الرسالة دي خالص … ويا ريت تقراها لوحدك وبعدها تحرقها .
كنتُ متعجبا مما يحدث لكنني وعدته باني سأفعل ما طلب ثم صعد سيارته وانطلق كالبرق ، وضعت الرسالة في جيبي وهنا سمعت من تقول :
ـ ازيك يا بيه .
كانت رحمة ، قلتُ وأنا أتحاشى النظر إلى عينيها :
ـ ازيك يا آنسة رحمة .
_
قالتْ :
ـ بقيت الآنسة رحمة … مش كنت رحمة بس .
قلتُ :
ـ ما انتي كمان بقيتي تقولي بيه زيهم .
قالتْ :
ـ ما أنت طلعت بيه وابن بيه وبتفهم في كل حاجة .
قلتُ :
ـ طيب تعالي ورايا .
مشينا لحد الفيلا ثم طلبت من الخجرح إحضار فنجان قهوة لها وقلتُ :
ـ بصي بقا .. أنا عايزك تكوني معايا في المزرعة .
_
قالتْ :
ـ ازاي ؟
أجبتُ :
ـ تكوني مشرفة على العاملات السيدات … وتختاري المرتب اللى يعجبك .
قالت :
ـ بس دا كتير .
قلتُ :
ـ مفيش حاجة كتيرة عليكي .
قالت :
ـ الكل بيحكي عن معاملتك الحلوة للعمال والأنفار ورفع مرتباتهم … أغبية ..ميعرفوش انك صاحب قلب أبيض نضيف … ياريتي أنا كمان ماعرفتك .
_
قالت جملتها الأخيرة وقد بدت جرحعة في عينيها ، قلتُ :
ـ ايه ده !!! جرحوع !!!
لم ترد فقلتُ بسرعة :
ـ ياستى المرتبات دي أصلا كانت حقهم من الأول بس شاهين كان بياكلها عليهم ، انا بس رجعتلهم جزء من حقهم ، والمعاملة الطيبة لأنهم يستاهلوا كده ، لأنهم أساس المزرعة ، المزرعة من غيرهم مش هتبقي مزرعة .. وغسان بيه من غيرهم مش هيبقي غسان بيه .
قالت :
ـ شفت السواق بيديك جواب … ياتري دا جواب من حبيبة .
ابتسمت قائلا :
ـ وهو لو فيه حبيبة كانت هتبعتلى جواب مع السواق … اطمني أنا مش بحب حد .
قالت :
ـ وأنا !!!
_
قلتُ :
ـ انا معاكي أهو يا رحمة … ومش هسيبك إلاّ لما أجوزك لشاب في عمرك .
اخفت وجهها بين يديها وبكت ، تعالت شهقاتها واترعشت أناملها بعجرحا انسكبت جرحوعها ؛ فقلتُ:
ـ والله العظيم أنا بحبك .. بس مينفعش أتجوزك ..عارفه ليه .. لأني بحبك … خايف عليكي من المجهول … لما أعرف الماضي بتاعي هيكون مستقلبي مجهول … اللى انتي شيفاني فيه ده مجرد بلونه هتفرقع لما الكل يعرف إني هربان من العدالة … تحبي تكوني مرات واحد عليه سوابق .
هنا أخبرني أحد الخجرح إن ( أيمن شوقي ) يطلب الدخول ، فسمحت له بالدخول ، صافحته قبل أن يجلس ، لكن بدا الارتباك عليه حينما رأي رحمة ، فقلتُ :
ـ الأستاذ أيمن يا رحمة .
كانتْ قد مسحتْ جرحوعها وقالت :
ـ أهلا وسهلا … طيب هستأذن .
وغادرتْ .
أيمن شوقي موظف جديد في الضرائب ، شاب فى مقتبل العمر ، لم يتجاوز الـ 25 من عمره ، طموح ومرح وذكي ، قال :
_
ـ أنا راجعت السجل الضريبي وكله تمام .. بس حضرتك عملت إيه في الموضوع اللى قلتُلك عليه .
قلتُ :
ـ والله يا استاذ أيمن أنا بحاول .. بس أوعدك إنّه خير .
قال :
ـ يا غريب بيه أنا سألت من بعيد وعرفت إن أبوها رافض المبدأ بس حضرتك بقا الخير والبركة … ولولا إني عرفت انك اكتر واحد مقرب من أبوها مكنتش هكرر طلبي .
قلتُ :
ـ اعتبرني أخوها الكبير … ومتقلقش .
في المساء قبل أن أنام تذكرت رسالة المعلم إيهاب ، فتحت الغلاف ثم قرأت :
ـ أنا عارف كويس أنت مين وهارب عندك ليه … ملفك كله على مكتبي … من ساعة الهروب من المستشفى لحد شاهين وغسان بيه وعمك حسن … أنا أعرفك عنك اللى أنت متعرفوش … وطالما بقيت اليد اليمنى لغسان بيه يبقي جرايمك زادت جريمة … موظف حسابات ومبرمج عند غسان بيه ملهاش إلا معني واحد …انك مزور … بس هنعمل صفقة … عايزك تثق فيا … مش هتوسل ليك علشان تثق فيا … أنت لازم تثق فيا لان معندكش حل تاني … أثناء الحفلة غسان بيه هيعمل اجتماع سري مع المحامين المقربين وبعض رجال شركته اللى في القاهرة …..احنا هنصور كل حاجة … بس مش متأكدين إنّهم هيتكلموا عن الصفقة والحريق …دورك انك تخليه يتكلم عن الصفقة والحريق … اعتراف منه بأنه هو السبب في حريق شركة حسان بيه …. احنا عارفين إنّه زور توقيع حسان بيه وقام بتزوير عقد بيع ملكية الشركة لصالحه بعد ما كسب قضية غش الأدوية ضد حسان بيه … وطبعا هيطلب منك حذف كل المستندات دي بعد طباعتها …وعلشان تصدق إني معاك خطوة بخطوة … هتلاقي يوم الخميس قبل الحفلة واحد من عمال الصيانة والكهربا والديكور هيحط فى جيبك فلاشة فاضية … أثناء الاجتماع وقبل ما غسان بيه يطلب منك حذف الملفات … تنسخها بسرعة على الفلاشة ….. المقابل بقا اننا هنسقط عنك تهمة الإزعاج وتهمة التزوير وهنرجعك لوظيفتك قبل ما تفقد الذاكرة …. وعلشان تتأكد إننا شرطة مش عصابة واننا عند وعدنا واننا بنحاول نطهر البلد من أمثال غسان بيه واننا بنرجع الحقوق لأصحابها .. هتلاقي يوم الحفلة واحد من الضباط هيسلم عليك ويقولك فى ودنك ( رحمة ) … شفت بقا إننا عاملين حسابنا لكل حاجة … وطبعا احنا حاطين احتمال انك متعملش ولا حاجة من الخطة … ساعتها هيتم القبض عليك بصفتك مدير حسابات الشركة … وهيطلع منها غسان بيه …. وساعتها بقي هتتحاكم على الإزعاج والتزوير …. بس احنا عارفين إن الأمور مش هتوصل لكده لأننا بنثق فيك .. وانت كمان هتثق فينا زي ما وثقنا فيك … لما توصل لحد السطر دع قطع الرسالة والغلاف 100 حتة واحرقهم .
3 ـ نادية
_
لما سألت سارة عن مزرعة غسان بيه قالت :
ـ ايوه خالتي ساكنة هناك .
مكنتش مصدقة اللى بسمعه ، طلعت التليفون بتاعي وكتب اسم القرية وازاي اوصلها وتركت الإسكندرية .
وفى القاهرة اتصلت بهاني بيه وقلتُله :
ـ هاني بيه … أنا قابلت واحدة تعرف القرية اللى فيها مزرعة غسان بيه .
رد وقال :
ـ ما احنا عارفين المزرعة والقرية يا مدام نادية … بس لازم نثبت إن اللى بيكلمك على اكونت جوزك بيكلمك من المزرعة .
قلتُ :
ـ بس صاحبتي قالتلى إنّها قرية بين أسيوط وقنا ودا نفس المكان اللى مزرعة غسان بيه .
رد وقال :
_
ـ بين أسيوط وقنا فيه أكتر من 11 مدينة بقراهم ونجوعهم …الصعيد فيه مزارع كتير فواكه وخضروات وقصب نجع حمادي …دا غير إن فيه رجال أعمال كتير حولوا الظهير الصحراوي لمزارع .
قلتُ باستغراب :
ـ يعني إيه ؟
أجاب :
ـ يعني معلوماتك مش مفيدة يا مدام نادية … بس متقلقيش … التحريات شغالة .
م عارفة ليه كنت حاسة ان هاني بيها حماسه قل أو تعاونه قل أو مخبى عني حاجة ، بس فضلت افكر لحد ما افتكرت ان إيهاب اخويا احيانا بيجيب بضاعة من الصعيد ، علشان كده اتصلت بيه وقلتُ :
ـ إيهاب تعرف مزرعة في سوهاج اسمعها مزرعة غسان بيه .
معرفش ليه حسيته اتلخبط في الكلام وهو بيقول :
ـ إيه !!! غسان بيه !!! مزرعة ..لا … مزرعة .. أول مرة اسمع عنها .
قلتُ بلهفة :
_
ـ مش انتي اخر مرة سافرت قلتُ انك مسافر تجيب بضاعة من سوهاج ؟
قال :
ـ لا …ايه ..انا قلتُ سوهاج .
قلتُ :
ـ ايوه … بالأمارة قلتُلى تعالى باتي مع مراتي لحد ما ارجع .. انا فاكرة كويس .
قال :
ـ اه .. سوهاج … ما انا مرحتش سوهاج … مكنتش الشحنة جاهزة ورحت الفيوم جبتها من هناك .
ليه بيهربوا مني ، ليه هاني بيه مش مهتم بالموضوع وإيهاب متلخبط في الكلام وبينكر إنّه كان رايح سوهاج ، وهنا جات فى بالي فكرة ، اتصلت بزيزي :
ـ زيزي .. عايزة رقم سارة .
قالت :
_
ـ بسرعة كده جبتليها عريس … طيب وصاحبتك مش ناوية تفتكريها .
عامة أنا متعودة على هزار زيزي من أيام الجامعة بس قلتُ :
ـ يابت اخلصي هاتي رقمها … فاكرة لما سألتها عن مزرعة الصعيد … معايا اخويا بقا عايز شحنة برتقال من هناك .. فحبيت اعرف منها شوية معلومات .
وبعد ما اخدت رقم سارة اتصلت بيها وقلتُ :
ـ سارة .. انا نادية .. جبت رقم من زيزي … فاكراني .
قالت بعد لحظات تذكر :
ـ ايوه ايوه .. اهلا حبيبتي .
قلتُ :
ـ بصي احنا متقابلناش الا مرة واحدة ..بس عوزاكي في خجرحة .
قالت :
_
ـ ياسلام تأمري ..دا انتي تبع الأستاذة .
قلتُ :
ـ الموضوع معقد شوية فياريت الأستاذة زيزي متعرفش .
قالت :
ـ طيب فيه إيه … قلقتيني .
قلتُ :
ـ جوزي فاقد الذاكرة وبيكلمني من المزرعة .. بصراحة مش عارفة هو اللي بيكلمني ولا مش هو ..بس انا .. انا مش عارفة اوضحلك ازاي .
ثم بكيت ،
وحينما سمعت شهقاتي فى التليفون قالت :
ـ اهدي بس يامدام نادية وقوليلى أساعدك ازاي .
_
قلتُ :
ـ اسفة بس غصب عني أنا مش …
قاطعتني قائلة :
ـ استنى استنى يامدام نادية .. أنا افتكرت احاجة ..أنا قابلت واحد هناك فاقد الذاكرة .
دقات قلبي صارت كالطبل وأنا بقول :
ـ اسمه إيه .. اوصفيه .. لابس إيه طيب تكلمتي معاه طيب هو ..
قاطعتني :
ـ اهدي اهدي بالله عليكي … رقمك ده عليه واتس .
وحينما فتحت رسايل الواتس وجدت صورة زوجي .
4 ـ الضابط هاني بيه
_
ضغطت على زر الاتصال في عصبية وقلتُ :
ـ جرى إيه يا معلم ايهاب .. أنت معانا ولا ضدنا .
سمعته يقول :
ـ فيه ايه ياباشا !!
قلتُ في عصبية :
ـ انا مش قلتُلك إياك تعرّف مدام نادية بأي حاجة .
قالت :
ـ اقسم بالله ما قلتُلها حاجة .
قلتُ :
ـ اومال جابت صورة نادر ازاى وهو لابس صعيدي ومتصور صورة بجودة عالية .
_
قال :
ـ والله ما اعرف ..بس هي اتصلت بيا وفضلت تسألني اذا كنت جبت شحنة البرتقال من سوهاج وكانت تسأل عن المزرعة بس أنا قلتُلها جبتها من الفيوم ولغيت مشوار سوهاج .
قلتُ :
ـ أنا هتجنن … جابت الصورة دي ازاي .
قال :
ـ طيب حضرتك مسألتهاش ليه ياباشا .
قلتُ :
ـ ما هو انا انكرت ان نادر فى سوهاج وقلتُلها الصورة دي متفبركة وملعوب فيها بالفوتوشوب .
قال :
ـ والله ياباشا انا معرفش اى حاجة عن الصورة ونفذت كل اللى قلتُلي عليه واديت لنادر الرسالة ووعدني إنّه هيقرأها .
_
قلتُ :
ـ المصيبة ان اختك عايزه تسافر لوحدها الصعيد .
قال :
ـ طيب ياباشا انا هروحلها دلوقتي واحاول أعطلها .
قلتُ :
ـ دا لو مكنتش سافرت يا إيهاب .
ثم أغلقت الخط في عصبية وتوتر .
أشعلت سيجارة وطلبت فنجان قهوة ثم اتصلت بـ بهاء بيه وقلتُ :
ـ على ميعادنا ياباشا .
قال :