
ـ على فكرة أنا مش فاهمة حاجة .
قال موضحا :
ـ الكاميرا جابت شخص بعيد أوي بيتواري خلف الأشجار …الصورة كانتْ من بعيد ، أنا كنت شايف فى الكاميرا أصابع الشخص اللى بيفك الكيس وبيطلع الفلوس …بس الكاميرا كانتْ متوجهة ناحية شخص واقف بعيد بيحاول يختبأ خلف الأشجار .
_
قلتُ سائلة :
ـ ودا معناه إيه ؟
أجاب :
ـ معناه إن الكلب اللى بيكلمك على أكونت جوزك إمّا إنّه شخص حريص أوي أو إنها جات معاه بالصدفة .
قلتُ :
ـ طيب ما انتو ممكن من خلال الشخص اللى ظهر في الصورة تتعرف عليه وتقبض عليه وأكيد هيكون شريكه .
قال :
ـ الشخص اللى ظهر في الصورة ظهر من بعيد أوي كأنّه شبح واقف وسط الأشجار … بس عامة المكان هو نفس المكان … الصعيد …. في قرية ما بين أسيوط وقنا … وبالتحديد في مزرعة …. وكل المواصفات دي تنطبق على المكان اللى فيه مزرعة غسان بيه .
قلتُ في نفاذ صبر :
ـ طيب ما تقبضوا على غسان بيه وتريح جرحاغك .
_
قال :
ـ معنديش أي دليل قوي أجيب بيه إذن تفتيش … وغسان بيه عنده مكتب محاماة كامل .. الموضوع مش سهل … دا راجل عضو مجلس شعب 4 دورات متتالية … وحاليا ملهوش منافس بعد مإزعاج حسان بيه في الحريق … مفيش شخص عاقل يقدر يفتش أو يعتقل غسان بيه إلاّ لو معاه ألف دليل قبل ما يعمل خطوة زي كده … أنا أسف إنّي مش عارف أفيدك بحاجة بس عامة خلينا ماشيين زي ما احنا …تجاريه فى الكلام وتطلبي منّه صور تاني لنفسه ولو فيه أي جديد تكلميني .
في نفس اليوم بالليل كنت مع زيزي فى سيارتها في طريقنا إلى الإسكندرية ، قالتْ :
ـ والله وليكي وحشة يا بت يا نادية .
قلتُ :
ـ انتي اكتر … بس انتي ليه سبتي القاهرة ؟
قالتْ :
ـ بدأتُ في القاهرة محامية تحت التمرين … بس مكنش فيه أكل عيش .. القاهرة زحمة وفيها حيتان محاماة … لحد ما واحد من قرايب ماما جابلي شغل في مكتب محامي كبير في إسكندرية … كان راجل عجوز بس بحر واسع في القانون … تعلمت على إيده وبدأت أمسك قضايا بنفسي … ولمّا مات بقيت الوريثة له في المحاماة وأنا اللى ماسكة كل حاجة في المكتب دلوقتي خاصة إنْ أولاده كلهم في بريطانيا وملهمش في جو المحاماة ده …ومش بينزلوا مصر أصلا .. ولمّا تروحي معايا المكتب هتشوفي ازاي زيزي صاحبتك عندها كام واحدة بيتدربوا عندها .
قلتُ :
ـ ربنا يوفقك ويسعدك بس برضة النجاح ده كله ناقصة حاجة .
_
قالتْ وهي تقرصني :
ـ العريس .
ولأول مرة أضحك بعد غياب جوزي ، قالتْ زيزي :
ـ الرجالة كل اللى يعرفوه عن المحامية الأنثى إنّها طول عمرها جد ومتعرفش تهز ولا تحب ولا تتحب لأنهم مش بيفهموا … لكن صحيح إيه أخبار الشاب الحليوة مهندس البرمجيات اللى كان حفيان وراكي ياعيني .
قلت مبتسمة :
ـ الباشمهندس نادر …دا جوزي .
قالتْ :
ـ يا جزمة … وقعتيه لحد ما جبتي رجله .
قلتُ في شرود :
ـ هو كان واقع لوحده ..أختك غلبانة يازوزة .
_
في الاسكندرية رغم إن زيزي بذلتْ كل جهدها علشان تفسحني لكن قلبي وعقلي كانوا مفصولين عن جسمي لأنهم كانوا مع جوزي الغايب ، كنت بمثل إنّي مبسوطة علشان زيزي متزعلش وقضيت معاها يومين ما بين فسح وشط وبحر وكافتيريات ووجبات عشاء في أفخم المطاعم ، وفى اليوم الثاني طلبت منها الإذن بالعودة إلى القاهرة لكنها أصرت إنّي أبات معاها لحد الصبح علشان توديني المكتب بتاعها وتعرفني على المحاميات اللى بيتدربوا عندها ووافقت .
في اليوم الثالث لى بالإسكندرية الساعة 10 صباحا كنت مع زيزي في مكتب المحاماة ، فعلا صارتْ واحدة مشهورة ولها اسمها وعدد كبير البنات حديثي التخرج كانوا بيتدربوا عندها ، بس لاحظت إن فيه بنت منهم مقربة أوي لزيزي ، ولمّا سألتها عنها قالت :
ـ دي سارة …دراعي اليمين هنا .
ثم قالت لسارة :
ـ يا بنتي جيتي امتي صحيح ؟ مش قلتي إنّك مسافرة مع مامتك عند خالتك ؟
كانتْ سارة فتاة جميلة تقريبا تجاوزت العشرين بقليل لكنها كانت مرحة جريئة ومثقفة تحمل دائما ملفات ولابتوب وأوراق ، قالتْ سارة مرحبة بي :
ـ أهلا بحضرتك .
قلتُ :
ـ أهلا أستاذة سارة .
قالتْ :
_
ـ طالما ضيفة الأستاذة الكبيرة يبقي ضيفة عندي أنا كمان .. ها تشربي إيه ؟
قلت :
ـ لا ميرسي .. زيزي قامتْ بالواجب .
قالتْ زيزي :
ـ اسمعي الكلام يا نادية علشان سارة صعيدية ولو رفضتي تشربي حاجة هتإزعاجنا احنا الاتنين .
وشربنا القهوة ، ثم جاءتْ في بالي فكرة ؛ فقلتُ بسرعة لسارة :
ـ منين في الصعيد يا أستاذة سارة ؟
قالتْ زيزي :
ـ أوبا … شكلك جايبة ليها عريس .
ضحكنا جميعا ، ثم قالتْ سارة :
_
ـ عشنا في أسيوط بس أساسا ماما من سوهاج .
وهنا تذكرتُ كلام هاني بيه
( المزرعة في مكان بين محافظة أسيوط وقنا )
وشردت في أفكاري وقلت لنفسي :
( ياتري اسألها عن مزرعة غسان بيه في سوهاج !!!! )
يتبع ….
الفصل التاسع
يرويه نادر التاجي
مرّتْ 3 أيام منذ رحيل سارة وقبل رحيلها التقطتْ لي صورة ووعدتني أنْ تنشرها بين معارفها خاصة أنّها أخبرتني أنها تعمل في مكتب محاماة مشهور في الإسكندرية ، ومنذ رحيلها لم أري رحمة ، وحينما كنتُ أذهب لبيت عم حسن لم أكن أراها ، كنت أشعر أنّها تتعمد عجرح لقائي ، كانتْ والدتها هي مَنْ تقجرح لنا الشاي ، وكنتُ حريصا أنْ تكون زياراتي لبيت عم حسن محدودة أوي ولم أكن أزورهم إلاّ إذا طلب منّي ذلك .
ثم جاء عصر يوم كنتُ في المزرعة اخبرني عم حسن أنْ رحمة سوف تأتي المزرعة لتحضر له بعض الأشياء ، والساعة الرابعة عصرا طلب شاهين من عم حسن أنْ يحضر للفيلا ، تركني عم حسن في المزرعة بعجرحا أمرني بمتابعة الأنفار والعمّال ، وحينما حضرتْ رحمة لم يكن عم حسن موجودا ، وتقابلنا وجها لوجها بعد فترة انقطاع ، قالتْ في لهجة رسمية :
_
ـ هو أبويا فين ؟
أجبتُ :
ـ عند شاهين في الفيلا لمقابلة بعض تجار القاهرة .
قالتْ :
ـ طيب يا ريت حضرتك توصلّه الحاجة دي .
وأعطتني لفافة قماشية وغادرتْ .
ووقفتُ شاردا أحمل اللفافة بين يدي وبدأتُ أفكر
( هل أسألها عن سبب تغييرها !!!!)
لم تبتعد كثير وبالتحديد كانتْ تحت شجرة البرتقال ، ناديتُ عليها وسألتها :
ـ بعد إذنك يا رحمة .. هو أنا صدر منّي أي شيء مش كويس .
_
قالتْ :
ـ ما تسأل نفسك .
كانتْ إجابتها لا تخلو من تلميحات واتهام ، فقلتُ :
ـ ما أنا سألتُ نفسي كتير .
وهنا انهار سدها وانفجرتْ قائلة :
ـ اه ما أنتَ ما صدقت شفتها … بس عندك حق .. هى خريجة جامعة وأنتَ متعلم وخريج جامعة … هي حلوة وبنت مدينة وأنتَ ابن مدينة … يبقى هتبص ليه لواحدة زيي … فعلا لايقيين اوي على بعض .
وهنا بدأتُ أفهم ؛ فقلت :
ـ بس أنا مقعدتش معاها غير مرتين وانتي كنتي معانا في المرتين ومصدرتش منّي اى حاجة تُسيء ليكي أو ليها .
قالتْ :
ـ والله !!!… أنتَ هتبقي تلميذي من انهارده يا أستاذ غريب … وحاسة إنّك هتبقى تلميذ شاطر … وطول ما هي بتشرحلك على الزفت ده وأنتَ عمّال تتأمل في وشها من غير ما تراعي ….. ما تراعي ….
_
وهنا توقفتْ عن الكلام ؛ لأن جرحوعها هي مَنْ قامتْ بالكلام ، كانتْ تتكلم وصدرها يعلو ويهبط من فرط التوتر ، وأناملها ترتعش في توتر ، وبسرعة مسحتْ جرحوعها واستدارتْ لتغادر ، فاستوقفتها وقلت :
ـ أنا مقدر كل اللى انتي فيه … بس مشاعرك الجميلة دي اللى متأكد إنّها أول مرة تطلع لشاب لازم تكون في مكانها الصحيح … لازم مشاعرك دي تكون لشاب تعرفي ماضيه ومطّمنة على حاضره ومستقبله ، أنا هنا شغّال شيّال يا رحمة ، ومعرفش أنا مين ولا عملت إيه في حياتي الماضية ، أنا واحد لا استاهل المشاعر الجميلة دي … لو كنت وغد وأناني كنت جاريتك في مشاعرك وانتهزت فرصة إنّي عايش ببلاش وهورث كل حاجة من أرض عم حسن … بس علشان أنا بحبك وبحب عم حسن ووالدتك فلازم أحافظ عليكم وعليكي انتي بالذات ؛علشان أحس إنّي رديت الجميل لوالدك اللى سمح لشخص غريب ميعرفش أي حاجة عنّه يدخل بيته وسط مراته وبنته .
قالتْ ومازالتْ في توترها :
ـ كلام من كلام بتوع الجامعة …أنا مش بعمل حاجة غلط … وأنتَ مش بتعمل حاجة غلط .. أكيد المشاعر دي ليها نهاية طبيعية .
قلتُ :
ـ تقبلي تتجوزي واحد متهم في جريمة إزعاج !
قالتْ :
ـ أنتَ بتتكلم عن إيه ؟
أجبت :
ـ أنا هربان من مستشفي لأنهم كانوا هيحققوا معايا في جريمة إزعاج مش فاكر عنها أي حاجة بس متهم فيها … أنا مش فاكر اى حاجة من الماضي …. انتى اللى تعرفيه عنّي إنّي شاكر الشاب اللى شغّال مع والدك في المزرعة … لكن جايز تكتشفي إنّي مجرم أو متجوز أو مطلق أو هربان من مصيبة … انا مجرد شخص قابلتيه واعجبتي بيه لاني جايز أكون أول محطة يقف فيها قطار حياتك … بس مش عايزك تنزلي المحطة الغلط … انتي لسه صغيرة ولازم تحلمي بشاب له ماضي معروف وتحلموا مع بعض بالمستقبل ..
_
قالت :
ـ اخلاقك دي استحالة تكون أخلاق واحد من إياهم … وانا مليش علاقة بماضيك .. أنا يهمني الحاضر .. وأنتَ بقيت لى الحاضر والمستقبل ….أنتَ متعرفش حياتي كان شكلها ازاى قبل ما أشوفك … جسم عايش وخلاص … جسم بلا روح ولا قلب … لكن أول مرة أحس إنّي إنسانة بعد ما شفتك … أنتَ كنت الضياء الوحيد في حياتي … فاكر لمّا قلتلك هتعرف مع الأيام ليه سميتك ضياء .. كنت بحسبك هتفهمها لوحدك … بس يظهر إنْ تعليم الجامعة مش بيعلم كل حاجة .
وهنا رأيتُ من بعيد أحد العمّال يقترب وينادي عليا ، ساعتها رحلتْ رحمة وهي تحاول أنْ تستعيد توازنها ، ذهبتُ مع الرجل إلى الفيلا ،
أعطيتُ عم حسن اللفافة وسمعتُ شاهين يقول :
ـ اسمع يا غريب … البيه الكبير على وصول … هيقعد هنا أيام وبعدها هيسافر … عم حسن أصر تكون معانا في الفيلا فترة إقامة غسان بيه .
قلتُ :
ـ بس دوري هيكون إيه ؟
أجاب :
ـ دى أوامر يا غريب يعني تنفذها وخلاص … هتكون هنا في الفيلا مع عم حسن والطباخين والخجرح … البيه الكبير طلباته كتير وضيوفه أكتر … وهو فرحان دلوقتي بعد ما اشتري أصول شركة حسان بيه الله يرحمه … علشان كده احتمال يكون جاي يحتفل هنا ولازم نكون جمبه … وأنا هكون جمبه ومش فاضي لمتابعة الخجرح والمطبخ … لكنا بنثق في عم حسن ..وعم حسن بيثق فيك … انتو الاتنين مسئولين قدّامي عن كل كبيرة وصغيرة في الفيلا لحد ما يسافر غسان بيه .
الساعة السابعة مساء كانتْ المزرعة أشبه بسيرك ، بسبب قدوم غسان بيه ، ولأول مرة أرى الرجل ، متوسط القامة ، ممتلئ الجسم ، شعر أسود لا يخلو من الشيب الذي زاده أناقة ووقار ، وجه أبيض مستطيل تتوسطه عينان ثابتتان حادتان ، باختصار هو كومندا كمّا تصوره الأفلام القديمة ، عامة لو تخيلك الفنان العبقري ( نظيم شعرواي ) هتوفر عليا عناء الوصف ، توقفتْ السيارة أمام الفيلا ، وهبَّ العمّال حول السيارة استعدادا لنقل الحقائب ، وفتح شاهين باب السيارة وانحنى في وقار لسيده ، ثم صافحه واستمرارا في مسح الجوخ قام بتقبيل يده ، الرجل كان مهيبا في نظراته ومشيته .
_
بعد نصف ساعة كنت أنا وعم حسن في بهو الفيلا ، بينما كان شاهين فى مكتب البيه ، سمعتُ صوت جرس فأمرني عم حسن بالمثول أمام باب مكتب البيه ، طرقتُ الباب في بطء ، ثم سمعتُ شاهين من الداخل يقول :
ـ ادخل .
وبالداخل كان يجلس البيه خلف مكتبه يدخن سيجار كوبي ملون ، لكن وجهه كان محتقنا وهو يتابع بعض الأوراق بعينيه ، وينظر تارة إلى جهاز كمبيوتر أمامه ويقول :
ـ لا كده كتير يا شاهين … الحسابات دي مش مزبوطة خالص … مش عارف ألاقيها منّك ولا من المحامين بتوع شركة حسان … أنا قلتلك لازم قاعدة بيانات كاملة .
قال شاهين :
ـ يافنجرح أنا راجعت كل حاجة بنفسي .. المناقصة وأوراق الشركة وأصول البيع ومستندات المزرعة والمليكة والحيازة الزراعية وعدد العمال في المزرعة وعدد الموظفين في الشركة وكل حاجة .
كنتُ صامتا في انتظار معرفة سبب استدعائي ، وأخيرا انتبه البيه وقال :
ـ وأنتَ تطلع إيه ؟
قال شاهين :
ـ دا غريب … غريب هات فنجان قهوة .. ودخله بنفسك .
_
غبتُ قليلا ثم جلبتُ القهوة وتوجهتُ إلى المكتب مرة أخري ، ثم طرقتُ الباب وسمعتُ شاهين يسمح بالدخول ، حينما وضعت القهوة أمام البيه رأيتُ على شاشة الكمبيوتر بعض القوائم وبرنامج منبثق على سطح الشاشة ، ولاحتْ في مخيلتي صورة قديمة لهذا البرنامج وهو يظهر أمام شاب أنيق بشارب مصفر منمق ، هذا البرنامج استخجرحته آلاف المرات ، نعم البرنامج والقوائم ظهرتْ في مخيلتي بوضوح ، ثم انتبهتُ على قول غسان بيه :
ـ إيه أنتَ كمان … تحب تجرب حظك في تظبيط الحسابات …ما هو خلاص بقيت شركة تجارب مش شركة محترمة .
قلتُ في توتر وثقة :
ـ أنا أعرف معادلات وتصميم البرنامج ده كله .
هنا تدخل شاهين قائلا :
ـ امشي انت يا غريب …واقف بتعمل إيه .
ثم مال على أذن حسان بيه وقال هامسا :
ـ دا ولد غلبان يا بيه .