
عبد الله كان ساكت، وشه شاحب كأنه شاف شبح، وقام بهدوء وخرج من الأوضة، وأنا حسيت بحاجة غلط، قومت وراه من غير ما أتكلم، ومحمود لاحظ وخرج معايا، ورامز قاعد مكانه خايف.
عبد الله نزل الشارع وفضل ماشي زي ما يكون في حاجة بتناديه.. كان لازم ننزل في فندق في وسط المدينة ومانروحش نسترخص في الفندق العجيب اللي نزلنا فيه ده، يمكن كل ده مكنش حصل.. ولقيت عبد الله دخل زقاق ضيق، دخلنا وراه وإحنا بننادي عليه وهو مش سامعنا.. لقينا الحيطان مكتوب عليها رموز قديمة باللون الأحمر،، كان باين إن ده دم ومش مجرد لون وكان لسه طري… وفي آخر الزقاق كان في باب خشبي صغير مفتوح كأنه مستنينا. دخل عبد الله وإحنا وراه.
واللي جوّه مكنش طبيعي أو حتى واقعي.. كانت غرفة ضلمة بس في نور ضعيف جاي من فوق، من شق في السقف، وكان فيه ٦ أشخاص واقفين في دواير، لابسين زيّ كهنة الإنكا، ماسكين مشاعل، وبينهم ترابيزة حجرية، وعليها تمثال صغير لإله الشمس، بس التمثال مش منحوت.. التمثال بيتنفس، بيرمش وعينيه بتتحرك.
واحد من الستة اتكلم بصوت مفزع كأنه طالع من بطن الأرض وقال:
ـ أهلاً بورثة الدم، القمر بيكتمل بعد ليلتين، والسفك لازم يتم قبل اكتماله، والاختيار وقع عليكم، بس التميمة لسه ما استقرتش هيكون مين.
عبد الله كان واقف في النص، والتوهان في عينه بقى واضح، قرب من الترابيزة ومد إيده ناحية التمثال، وأنا جريت عليه سحبته بعنف وصرخت:
ـ فوق يا عبد الله.. فوق دي لعنة.
شديته أنا والباقي وخرجنا بره ولاحظت إن ايده محروقة، وأول ما طلعنا بره لقيت على كفّه حاجة محفورة.. خريطة صغيرة محفورة بالنار، خريطة لمكان بين الجبال شكله أشبه بمعبد مدفون، وحروف كوتشوا تحتها بتقول: “هنا يُفتح الباب.. وهنا يُغلق للأبد.
عبد الله وقع على الأرض فقد الوعي.. الدنيا ليل بس مش ليل طبيعي، لا فيه نجوم ولا قمر.. فوقنا عبد الله ورجعنا الفندق المريب لمينا حاجتنا ومشينا زي ما الخريطة على ايد عبد الله بتوجهنا، كانت بتلمع وكأنها جي بي اس بيقولنا نمشي إزاي.. وبعد ما وصلنا المكان اللي الخريطة حددته ض
ضوءها اختفى زي ما تكون بتقولنا افضلوا هنا.. ولعنا نار صغيرة وقعدنا حواليها قريب من كهف لقينا نفسنا قصاده.. كهف غريب وسط جبل عالي حوالين كوسكو، الكهف ده لقيناه بعد ما تتبعنا الخريطة اللي ظهرت على إيد عبد الله، واللي كانت كل تفاصيلها واضحة كأنها محفورة من ألف سنة على جلده. مشينا كتير واتعورنا، وجوعنا واتخنقنا مع بعض، وكان في لحظات حسينا إن دي نهايتنا.. بس الكهف ده كان مستنينا.
وفي اللحظة دي اتفزعنا.. لما لقينا راجل عجوز في وشنا مانعرفش جه منين.. لابس عباية لونها أبيض وصوته لما اتكلم كان دافي ومرعب في نفس الوقت وقال بالفصحى:
ـ أهلاً بورثة الدم، أبناء الشمس، أو آخر من تبقى من نسل المدينة المنسية.
أنا قولتله وصوتي بيترعش:
ـ إحنا جينا ندور على وصية جدي، وعلى لغز بقاله سنين. ومش شايفين أي مدينة، ومفيش إحساس جوانا بغير الموت.
العجوز ضحك ضحكة مالهاش صدى وقال:
ـ المدينة كانت موجودة قبل الزمن، قبل ما يتقسم العالم لقارات وشعوب. كانت اسمها آنتي ماركا، مدينة الشمس، مركز المعرفة والطاقة اللي خلقها الإله الأوحد، وأنتوا نسل من اختارهم علشان يحافظوا على سرها.
عبد الله قال بصدمة:
ـ إنت بتقول إننا من نسل المختارين؟
العجوز رد:
ـ من نسل حراس النور.. قبيلة اختارها إله الشمس نفسه، وبعت منها رجال ونساء لكل بقعة في الأرض، ينشروا المعرفة ويحموا المفاتيح.. جدك يا سليمان كان آخر حارس واعي، بس فشل لأنه فقد نقاء القلب في لحظة طمع والبوابة رفضته.
أنا حسيت الأرض بتتهز تحتي وسألته:
ـ جدي فشل ازاي؟
العجوز قام من مكانه ومسك تميمة صغيرة في ايده وقال:
ـ أنت أهم واحد يا سليمان لأنك بعين واحدة شايف أكتر من اللي بعنين، لأنك فقدت جزء منك وانت صغير، والجزء ده خلى جواك فراغ بيستوعب النور.
محمود قال:
ـ يعني المدينة لسه موجودة ومش مجرد أسطورة؟
العجوز قال:
ـ المدينة دلوقتي اختفت تحت الرمال والجبال لكن قلبها لسه بينبض بالحياة، ولسه بتحلم بيوم العودة، واللي هيرجعها للحياة هو واحد بس اللي قلبه نقي كفاية، واللي يقبل يسمع النداء من غير ما يطلب المقابل.