
رامز قرب وسأل:
ـ بس إحنا شوفنا ناس غريبة ومرعبة، كهنة وطقوس وتمثال بيتحرك..
العجوز رفع التميمة وقال:
ـ الكهنة دول بقوا أعداء المدينة، بقوا بيستغلوا سرها علشان يفضلوا عايشين، بيشربوا من الطاقة اللي المفروض تنور العالم، وبيحولوا النور ده لضلمة. تميمة الشمس دي هيا المفتاح، بس مش أي حد يقدر يحملها.
أنا بصيت للعجوز وقولت:
ـ إحنا قابلنا حاجات كتير بس لسه مش قادرين نفهم إيه هدفنا من كل ده؟
العجوز قرب مني ولمس صدري بإيده وقال:
ـ المدينة هي الحقيقة، حقيقة كل نفس بشرية.. ولو كنت مستعد تشوفها بتفتح.. ولو خوفت بتقفل ومبتفتحش تاني نهائي.. وأنت الأمل يا سليمان.
عبد الله مسك إيدي وقال:
ـ إحنا معاك يا سليمان للنهاية، لو هنموت نموت سوا بس نوصل للحقيقة والكنز ده مهما كان نوعه وشكله.
العجوز قال:
ـ لسه قدامكم اختبار واحد.. كل واحد فيكم لازم يواجه أكتر حاجة بيخاف منها، لو عدّيتوه المدينة هتظهر.
وفجأة النار اللي قدامنا اتطفت لوحدها، والدنيا دخلت في صمت مفزع وكأن الوقت وقف.. وكل واحد فينا سمع صوت في ودنه، صوت بيقول اسمه بصوت شخص فقده، أو بيكرهه، أو بيحبه.
أنا سمعت صوت جدي بيندهلي من بعيد، والكهف اتشق لنفق ضلمة.. وبخطوة واحدة كل واحد مننا دخل لنفقه.. وكل نفق فيه حكاية ومواجهة.
الضلمة كانت عامل مشترك بيننا كلنا، نفق ضلمة مليان أصوات غير مفهومة، مكنش فيه حاجة نقدر نمسك فيها غير بعضنا، لو قولنا مش هنواجه هنكون بنهرب من الحقيقة اللي كانت جوا قلب كل واحد فينا. كل خطوة كانت بتسحبنا بعيد عن المكان اللي كنا فاكرين إننا جايين له، وكان كل نفق فينا بيقربنا أكتر من الخوف والشك. كنت حاسس إننا في مكان بعيد عن أي نقطة أمان.
أنا كنت الأول اللي مشيت قدام، لأني عارف إن كل ده بيحصل بسببي أنا.. لما حاولت أفتكر التذاكر أو الكتاب أو الرسايل، حسيت إن كل حاجة كانت مجرد بداية لشيء أكبر بكتير. محمود كان ورايا بخطوة وشوفت عينيه مشغولة بكل خطوة بنخطيها.. عبد الله كان جمبه، ورامز وراه ولازق في الحيطة من الخوف..
وفي لحظة الصوت ده اتكرر تاني، صوت جدي كان بينادي عليا، بس المرة دي كان أقرب من المرة اللي قبل كده.. المرة دي كان الصوت جوا دماغي وواضح بيسألني: سليمان، هتقدر ترجع؟ هتقدر تعيش من غير ما تعرف الحقيقة؟
غمضت عيني وقولت: مفيش رجوع تاني. مش هقدر أعيش وأنا مش فاهم حاجة.
لكن الصوت ماسكتش، فضل يتردد وكل مرة كنت بحاول أرجع لنفسي، كان فيه حاجة بتسحبني تاني.
وفجأة لقيت نفسي في مكان مختلف تمامًا، مش في النفق ده. المكان كان زي ميدان كبير مليان تماثيل ضخمة جدًا، التماثيل كانت غريبة مش زي أي حاجة شوفتها قبل كده، كل تمثال كان فيه عين واحدة بس، وكل عين كانت بتبص في اتجاه مختلف.
ولما بصيت لقيت قدامي صورة كبيرة لجدي موجودة على جدار ضخم، كان بيبصلي بعين واحدة بس، نفس العين اللي فقدتها وأنا صغير وقالي بصوته اللي كنت سامعه في الحلم:
ـ يا سليمان ده وقت الحقيقة.
وفي اللحظة دي لقيت عبد الله واقف قدامي وقالي:
ـ سليمان احنا في نفس اللحظة دي، كل واحد فينا بيعرف الحكاية جوا قلبه، ولكنك إنت الوحيد اللي هتقرر.
السكون اللي كان في المكان كان قاتل، مفيش صوت، مفيش حركة، لكن كله كان في حالة انتظار. كل واحد فينا كان واقف قدام التماثيل، وعينيه مش شايفه غير الصور اللي قدامنا، كل صورة فيها عيون مليانة غضب، لكن في نفس الوقت كأنها بتحاول تقول حاجة.
أنا في اللحظة دي زعقت وقولت بصوت عالي:
ـ إيه اللي مفروض نعمله دلوقتي؟
العجوز ظهر تاني، المرة دي كان لابس رداء أسود زي اللي بيلبسوه الكهنة في الأفلام وقال:
ـ المدينة مفتوحة لكم الآن. بس افتكروا، اللي بيدخلها مش هيرجع تاني زي ما كان.
وبدأت الأرض تتحرك تحتنا، وكل شيء بدأ يتفتح قدامنا، التلال اللي كنا شايفينها قبل كده اتحولت لبوابات كبيرة. وبدأنا نتحرك ناحية البوابات دي، كل واحد فينا كان واقف في نقطة مختلفة.
ومع كل خطوة كنت حاسس إن جزء مني بيموت، لكن جزء تاني بيعيش. حاسس إننا مابقيناش زي ما كنا، حاسس إننا هنبقى جزء من الحكاية دي للأبد، كل واحد فينا له دور، ودورنا لسه ماخلصش، لكن إحنا مش لوحدنا. الحقيقة اللي كانت مختفية تحت التراب لآلاف السنين خلاص ظهرت.
ودخلنا في أوضة فيها سرير كبير من الدهب وفرشه من حرير، وكان في ناس كتير أوي كلهم لابسين لبس غريب شبه لبس الفراعنة في الرسومات على المعابد.. وخدوني ومشيوا وأنا متشال على الأكتاف.. ومشينا لحد ما دخلنا بهو قصر وعدينا منه لقاعة كبيرة فخمة، زي ما تكون دي الحكم لأن كان فيها عرش من دهب.. سابوني على العرش وسلموني صولجان، وساعتها ظهر الراجل العجوز من جديد وجمبه الشخص الغريب سواق التاكسي. وقال الراجل العجوز:
ـ مولاي الملك.. الجميع يستعد لمراسم تسليمك المدينة..
وأخد بأيدي ومشينا روحنا أوضة صغيرة غريبة، وهناك لقيت صحابي، فقال الراجل العجوز:
ـ دلوقتي كل حاجة انتهت، بوجودك هنا المدينة رجعت لعدها من جديد.. بعد ثواني هترجع بيتك أنت وصحابك، قوتك في المواجهة واستعدادك لإنقاذ ملايين من الأرواح البريئة حرر المدينة.
وبمجرد ما خلص كلامه لقيت نفسي واقف في المكتبة وفي أيدي الكتاب، وصحابي حواليا بيقولوا لي إني لازم أنفذ وصية جدي ونروح الرحلة دي..
تمت..
#فهد_حسن