منوعات

القصة كاملة 

أنا كنت واقف قدامه ببصله في صمت لأنه كان نفس التمثال اللي شوفته في الأوضة عندي في مصر.. حسيت بدوخة شديدة، وفجأة لقيتني مش في المتحف، لقيتني في صحرا والدنيا ليل، وفي نجمة واحدة بتنور السما كلها.

بس ورايا كان في ناس، ناس أشكالهم مش بشرية خالص.. كانوا واقفين وبيمدوا إيديهم ناحيتي، وكلهم بيقولوا بصوت واحد:

ـ يا سليمان.. الطريق بدأ.

ساعتها فوقت مفزوع ولقيتني مرمي على أرض المتحف، والناس حواليّا بتزعق وصحابي بيحاولوا يفوقوني.. فبصيتلهم وقولت:

ـ أنا شوفتهم وسمعتهم.. أنا بقيت منهم دلوقتي.

رامز قال وهو مخضوص:

ـ هما مين؟

ـ مش عارف.. يمكن حاجة مرتبطة بين الفراعنة والناس في البلاد دي.. ده التفسير اللي جه في بالي.. وخصوصًا في موضوع إله الشمس ده.. هو غريب على الفراعنة اللي عملوا كل الاعجازيات دي في مصر، إنهم يكونوا وصلوا لهنا؟ أكيد الموضوع مرتبط بيهم.

مشينا من المتحف بسرعة وروحنا حجزنا تذاكر طيران للبيرو.. وقضينا اليوم ده كمان في الأرجنتين بسلام واتفسحنا.. وتاني يوم ركبنا الطيارة لبيرو بعد يوم من اللي حصل في المتحف، وكنت حاسس إني سايب ورايا جزء مني في الأرجنتين.. جزء اتغير أو مات.. أنا وعبد الله ومحمود ورامز كنا قاعدين جنب بعض، لكن كل واحد كان في دنيته.. وأنا حاسس إن اللي جاي مش سياحة ولا مغامرة دي حرب، حرب مع المجهول.

وأنا في الطيارة حلمت نفس الحلم بس المرادي في اختلافات شوية. كنت ماشي في ممر طويل كله تماثيل دهب بتبصلي، تماثيل على شكل بشر ووشوشها مش واضحة كأنها ممسوحة.. كل ما أقرب من واحد منهم أسمع همسات جوا ودني: اللي بدأ لازم يكمل يا سليمان.

بصيت ورايا في الحلم لقيت خيالي ماشي لوحده! آه والله ظلي كان منفصل عني وماشي أسرع مني، وداخل في بوابة حجرية فوقها مكتوب بكوتشوا “إرث الشمس لا يُمس إلا بالدم الطاهر”.

صحيت على صوت المضيفة وهي بتقولي فيما معناه إني أربط الحزام لأن الطيارة هتهبط بعد دقايق.

وشها كان عادي بس عنيها كانت غريبة وتحتها فيه  سودا غريب ومرعب، ومابترمش.

قولت في سري: أنا فعلاً خلت اللعبة خلاص ومفيش خروج ولا مهرب.

نزلنا بيرو ووصلنا كوسكو، والجو هناك كان مختلف، الرطوبة عالية والهوا مكتوم لأنها بلد على مرتفع عالي.. الناس هناك كانوا بيبصوا علينا كأنهم عارفينا. واحدة ست عجوزة قربت مني وقالتلي بالإنجليزي المكسّر:

ـ أنتو الأربعة؟ الأربعة اللي الشمس اختارتهم؟

وبعدها الست بكت فجأة وقالت بصوت هامس:

ـ  هتموتوا.. بس واحد فيكم هيفضل عايش . واحد بس.

ومشيت واختفت في زحمة الناس.. ولما جرينا وراها ملقيناهاش. عبد الله قال:

ـ دي هلوسة جماعية ولا إيه؟

رديت:

ـ هلوسة إيه؟ دي الحقيقة اللي إحنا فعلاً بقينا عايشين جواها وماشين في طريقنا عشان نعرفها كلها.

دخلنا فندق صغير على أطراف كوسكو، وريحنا كام ساعة، وبعدها خرجنا نتمشى ونشم الهوا، عشان نشوف لو هنلاقي أي خيط يقودنا للخطوة الجاية.

كنا معدّيين من عند مبنى قديم شكله مهجور، وعبد الله وقف فجأة وقال:

ـ أنا سامع صوت.. صوت ترتيل، كأن حد بيقرأ آيات بس بلغة غريبة.

قربنا من الباب الحديدي وكلنا سمعناه.. الترتيل فعلاً شغال، صوت غليظ بيكرر نفس الجملة كل كام ثانية.

فقولنا هندخل البيت نشوف في إيه.. لكن رامز قال:

ـ أنا مش داخل في حتة.. خلّوني أستنى هنا.

أنا وعبد الله ومحمود دخلنا.. المبنى من جوه كان متشقّق، السقف منهار في أماكن، والحيطان كلها مرسوم عليها رموز الشمس والعين الواحدة. وفي نص المكان كان في راجل قاعد على الأرض وشه مش باين، لابس عباية سودا وشعره طويل ونازل على كتفه.

لما قربنا منه الترتيل وقف، والراجل رفع راسه ومرة واحدة اتكلم بالعربي:

ـ أنتم الورثة.. أنتم اللي فيكم دم الإلهة بس مش كلكم هتكملوا.

محمود قاله:

ـ إنت مين؟ وإزاي بتتكلم عربي؟

الراجل مد إيده، ورسم على الأرض شكل دايرة جواها نجمة، وقال:

ـ دي بوابتكم الأولى بس لازم تضّحوا.. مين فيكم هيدخل الأول؟

بصينا لبعض وأنا خدت نفس طويل وقولت:

ـ أنا.

خطيت خطوة لجوا الدايرة، وكل حاجة حواليا اتغيرت… الجو اتقلب، ريح جامدة هبت جوا المكان، والنور اللي كان داخل من الشباك اختفى، وأنا حسيت بإيدي بتتشل، والراجل قال:

ـ لو فيك الشر هتتحرق.

حسيت بحرارة جوا جسمي.. نار حقيقية ماشية في شراييني بس ماتحرقتش.

الراجل قال:

ـ أنت النقي.. لكن الباقيين لازم يثبتوا نفسهم، وإلا الموت هيكون مصيركم.

حسيت إني مرهق جدًا.. كأني رجعت من الموت، لقيت محمود بيبصلي بقلق، وعبد الله وشه باهت، وفي اللحظة دي كان رامز دخل لما اتأخرنا ووشه كان باين إنه مرعوب وكان ماسك مصحف صغير في ايده وبيقرأ آية الكرسي بصوت واطي.

الراجل قال:

ـ قدامكم ٣ أيام، وبعدها لازم تكونوا في معبد الشمس، هناك هيظهر لكم الطريق الأخير.. بس لو أي واحد منكم ضعف، كل اللعبة هتتحول لجحيم.

خرجنا من المبنى بسرعة وإحنا مش قادرين ناخد نفسنا، وكنا حاسين إن في حد ماشي ورانا بيراقبنا.

بصيت ورايا بسرعة ملقتش حد.. لكن لقينا رسالة متعلقة على شنطة محمود مكتوب عليها:

ـ الدم لازم يسيل قبل طلوع القمر الجديد.

عبدالله بصلي وقال:

ـ الرحلة بدأت.. بس السؤال دلوقتي، مين فينا هيكون أول دم؟

الليل نزل على كوسكو بس الهوا كان لسه مخنوق، ومابقيتش عارف ده راجع للي بيحصلنا ولا لطبيعة المكان الجغرافية.. رجعنا الفندق وكلنا ساكتين، كل واحد غرقان في تفكيره، والموت بقى له ريحة، مش مبالغة والله كنت حاسس إن في حاجة ملازمانا وبتسحب النفس مننا.. أنا فردت جسمي على السرير وبصيت وسرحت في السقف ولساني مش قادر ينطق، وكل ما أغمض عيني أشوف الدايرة اللي دخلتها، والنار اللي جريت في جسمي، والنظرة اللي في عينين الراجل، كأنها بتقراني من جوّا، بتقلب صفحاتي كلها وتختار أسوأ فصل.

محمود كان واقف عند الشباك وبنبرة فيها قلق قال:

ـ أنا حلمت وأنا صاحي، شوفت أمي قاعدة في بيتنا بتبكي وهي لابسة أسود، وبتبص على صورة ليا كأنها شايفاني بس مش قادرة توصلي.

رامز حط المصحف جمبه على السرير وقال:

ـ أنا مش هقرب من المعبد ولا المكان ده تاني، الحاجات دي ليها ناسها وأنا مش واحد منهم.

انت في الصفحة 2 من 4 صفحات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
46

أنت تستخدم إضافة Adblock

انت تستخدم اضافة حجب الاعلانات من فضلك تصفح الموقع من متصفح اخر من موبايلك حتي تقوم بتصفح الموقع بشكل كامل