
شعرت مريم برعب يجتاح جسدها، وحاولت الصراخ، لكن صوتها لم يخرج. تقدم الحارس نحوها ببطء، وبدأت تشعر بأن الهواء من حولها يصبح أثقل، كأنها تُسحب تدريجيًا إلى نفس الظلام الذي كانت فيه. حاولت المقاومة، لكن طاقتها بدأت تخور، وبدأ الحارس يتسلل إلى عقلها، يزرع فيه صورًا مرعبة لأرواح معذبة، ومشاهد عن مستقبلها المحتوم إذا لم تجد طريقة لإغلاق الباب الذي فتحته.
في لحظة يأس، استجمعت مريم شجاعتها وبدأت تخاطب الأرواح التي تشعر بوجودها حولها، تطلب منها المساعدة للتخلص من الحارس. فجأة، بدأت تظهر أشكال ضبابية في الغرفة، أرواح تشبه تلك التي رأتهم في المرآة، لكنها كانت مختلفة هذه المرة؛ كانت تحدق في الحارس بعينين ملؤهما التحدي والغضب.
اندفعت الأرواح نحو الحارس، محاصرة إياه. وكأنها تحاول جذب طاقته منها. انخرطت الغرفة في عاصفة من الظلال والصراخ، وبدأ الحارس يتلاشى ببطء، يقاوم لكنه كان يضعف مع كل لحظة تمر. في النهاية، اختفى الحارس تمامًا، تاركًا خلفه سكونًا غريبًا.
شعرت مريم بالارتياح، لكنها كانت تعلم أن هذا السكون لن يدوم للأبد. فجأة، سمعت همسة أخيرة من إحدى الأرواح التي أنقذتها: “أنتِ الآن الحارسة، والمسؤولة عن توازن العوالم. احذري… فالخطأ القادم قد يكون مكلفًا.”
بعد أن اختفى الحارس، أدركت مريم أن حياتها لن تعود كما كانت أبدًا. أصبحت تشعر بأن شيئًا غامضًا يتخلل كيانها، كأنها قد ورثت مسؤولية ثقيلة وتحمّلت عبء توازن العوالم. لم تستطع التراجع، فقد أُغلقت الأبواب أمامها، وبدأت ترى ملامح ذلك العالم الآخر تظهر في حياتها اليومية.
كانت الأرواح تتواصل معها بطرق مختلفة؛ بعضها يظهر في أحلامها، وبعضها يتحدث إليها عبر همسات في زوايا غرفتها، أو عبر انعكاس صورهم في الماء والمرآة. أصبحت هذه الأرواح تتردد عليها بشكل متواصل، تطلب منها مساعدتها، وتخبرها قصصًا عن حيواتها ومآسيها. بمرور الأيام، أدركت مريم أن مهمتها ليست مجرد تحرير الأرواح من عذابها، بل حماية عالمها من أن يتسلل إليه ذلك الظلام، ومنع العوالم من التداخل.
ذات ليلة، وبينما كانت تجلس وحيدة، سمعت نداءً جديدًا، مختلفًا عن الأصوات التي كانت تأتيها. كان صوتًا قويًا ومهيبًا، كأنه يخاطب قلبها مباشرة، ويأمرها بأن تتوجه إلى مكانٍ بعيد، إلى أطلال قديمة خارج القرية، حيث يوجد بوابة أخرى بين العوالم، بوابة قديمة تهدد بأن تُفتح إذا لم تقم بإغلاقها.
توجهت مريم إلى الأطلال في منتصف الليل، والأشجار تراقبها في صمت، وأصوات الأرواح تتردد في الهواء من حولها، ترشدها وتوجهها. عندما وصلت، وجدت حجارة ضخمة متراكمة في شكل دائرة، وفي منتصفها نقش قديم يحمل رموزًا غريبة. وفجأة، شعرت بريح باردة تحيط بها، وأحست بوجود قوي خلفها. استدارت ببطء، لترى كيانًا ضخمًا يتشكل من الظلال، كان يشبه الحارس الذي واجهته من قبل، لكنه أقوى، وأشد رعبًا.
همس الكيان بصوت عميق: “لقد أخذتِ مكان الحارس القديم، ولكنك لستِ مستعدة. حماية العوالم تتطلب قوة أكبر من قوتك.” نظرت مريم إليه بتحدٍ، ورغم خوفها، كانت تعلم أن هذه هي مهمتها، وأنها لا تستطيع الهروب. رفعت يديها، وبدأت تردد كلمات غامضة كانت الأرواح قد همستها لها، كلمات تكوّن درعًا غير مرئي يحيط بها ويحميها من طاقة الظلام.
اندلع صراع مرعب بين مريم والكيان، كانت الأرض تهتز تحت قدميها، وأصوات الأرواح تصر,خ وتشجعها. في تلك اللحظة، أحست بطاقة لم تشعر بها من قبل، كأن كل الأرواح التي ساعدتها قد منحتها قوتها، وبدأت تشعر بأن الظلام يتراجع، وأن الضوء يزداد قوة حولها.
أخيرًا، ومع آخر كلمة نطقتها، تلاشى الكيان وتحولت الطاقة التي كانت تحمله إلى شرارة من الضوء، اندفعت نحو الحجارة، فأغلقت البوابة، وأعادت الحاجز بين العوالم.
عادت مريم إلى قريتها، وقد أدركت أن رحلتها قد بدأت لتوها. كانت قد أصبحت الحارسة الجديدة، والمسؤولة عن حماية عالمها من الأرواح والكيانات التي تحاول اختراقه. لكنها، في أعماقها، كانت تعلم أن هذا الصراع سيستمر، وأنها ستبقى دائمًا في مواجهة بين الحياة والمو,ت، بين النور والظلام.
تمت