
جنب بيتي سوبر ماركت شهير، مابحبش أشتري منه حاجة، أجواءه بالنسبالي مريبة، فبروح لواحد تاني بعيد عنه شوية، لكن أحيانًا بضـ,ـطر أدخله وأجيب حاجتي منه وده لما بيكون خلاص مفيش مفر من كده.
وفي خلال المرات البسيطة اللي بضطر ليه اتعرفت على “أدهم” اللي شغال فيه، كان طالب في أولى جامعة، وبينزل ياخد شيفت ليلي يساعده في مصاريف جامعته، وكان مجرد ما يلمحني داخلة المكان يجري عليا ويحاول يساعدني بأي طريقة، ويمكن “أدهم” هو اللي خلاني أتعـ,ـود على المكان وأبطل أحس بالريبة والرهبة جواه.
إمبارح وأنا راجعة من مكتبي على حداشر تقريبًا قولت أعدي عليه اشتري حاجات للسحور، لكني مجرد ما دخلت من الباب حسيت بقبضة قوية في قلبي، وزاد استغرابي لما لقيت “اسماعيل” هو اللي اللي موجود وبيبتسم لي وهو بيقولي:
– ازي حضرتك يا أستاذة.. نورتينا
ابتسمت بتوتر وأنا ببص في المكان حواليا وبقوله:
– الحمد لله.. أومال فين “أدهم”؟!.. مش ده الشيفت بتـ,ـاعه؟
حرك “إسماعيل” راسه بنفي وهو بيقولي:
– لأ ماهو ساب الشغل، تقريبًا شاف شغل في مكان تاني.
هزيت راسي باستـ,ـغراب قوي ومشيت من غير ما أشتري اللي أنا عايزاه، وطلعت البيت وأنا متأكدة إن فيه حاجة مش طبيعية، ولما لقيت كل اللي في البيت نايمين دخلت أوضتي وقفلت الباب وأنا دماغي كلها شغالة في”أدهم” اللي لقيته واقف قدامي والد*م مغرق وشه وهدومه، ودموعه مالية عينيه اللي بتبصلي باستنجاد قوي.
قبضة قلبي كانت أقوى من الأول بكتير، ودموعي غرقت وشي، ومرارة قوية في حلقي اللي اتحبس فيه الكلام، ولأول مرة أقف مش قادرة أنطق بحرف، لكن “أدهم” اللي نطق بنبرة قسمت قلبي نصين:
– قتـ*ـلوني يا أستاذة “فاطمة”.
قربت منه بخطوات تقيلة وأنا بقوله:
– مين؟
=”إسماعيل” وصاحبه.
الد*م غلا في نافوخي، والنا*ر قا*دت في قلبي وأنا بفتكر كلام “إسماعيل” معايا من لحظات، عشان أسأله:
– إزاي؟.. وليه؟
جاوبني بمرارة:
-أنا بستلم الشيفت منه الساعة تسعة، بس النهارده اتخانقت مع أبويا عشان الشغل اللي معترض عليه، و في الخـ,ـناقة قالي:
– يا ابني انت وحيدي وماليش غيرك بعد الغالية الله يرحمها.. بلاش شغل الليل، ده بيلم كل البلطـ*ـجية وقُطاع الطرق، وإنت بتقعد لوحدك طول الليل.
حسيت إنه بيتحكم فيّا، وسيبته ومشيت وقولت أبعد عنه وعلى الصبح يكون نسي، لكن مابقاش فيها صبح خلاص.
بصيتله بوجع وأنا بمسح دموعي، عشان يكمل:
– قولت أروح السوبر ماركت أقعد مع “إسماعيل” نتكلم سوا لكني دخلت مالقيتش حد، فضلت أدور عليه في كل حتة لكن مفيش فايدة، لحد ما لقيته جاي من ناحية المخزن اللي في آخر السوبر ماركت وهو بيقولي بدهشة:
– إيه اللي جابك بدري كده؟! .. ده لسه ساعة ونص على ميعادك.
قولتله بضيق:
– اتخانقت مع أبويا، وقولت أبعد لحد ما يهدى.
=اتخانقتوا ليه؟!
سيبته واتحركت ناحية المخزن وأنا بقوله:
– هصلي العشا وآجي أحكيلك.
لقيته فجأة بيقطع عليا الطريق وهو فارد ايده وبيقولي:
– روح صلي في الجامع أحسن، وأهو تاخد ثواب الجماعة.
هزيت راسي برفض وأنا وبقوله:
– أبويا هو اللي بيصلي بالناس في الجامع ده وأنا مش عايزه يشوفني دلوقتي عشان ما يكملش خناق معايا، ومش عايز أشوف أصحابه اللي هيفضلوا يقولولي مالكش بركة إلا أبوك يا “أدهم” وكأن أنا باجي عليه مثلًا، فسيبني بقا أصلي في المخزن وخلاص.
لقيته منعني تاني وقالي:
– المخزن مكركب، صلي هنا جنب تلاجة المجمدات محدش أصلًا بيدخل هنا.
لما لقيت إصراره على بعدي عن المخزن زاد إصراري أنا كمان، وزقيته وأنا بقوله:
– مش مصلي غير في المخزن يا “اسماعيل”.. عديني بقا.
ودخلت المخزن لقيت في وشي “مدحت” صاحبه قاعد بيقسم مخد*رات في أكياس.. اتصدمت، وخوفت، وقولت في نفسي ياريتني سمعت الكلام وصليت بره، بس بينت ليهم إني جامد عشان مايستضعفونيش، وزعقت لهم كمان وهددت إني هبلغ عنهم، لكني لقيت “إسماعيل” بيشد ايدي و هو بيقولي:
– هناخدهم يوم الوقفة ومعدناش هنشيل حاجة هنا تاني..عديها بقا.
بصيت له بصدمة وأنا بقوله:
– هو إنت عامل المخزن هنا مخزن للمخد*رات ، والله لأتصل بالمدير وأحكيله على كل حاجة.
في اللحظة دي لقيت “مدحت” بيزقـ,ـني وهو بيهددني:
– ومين اللي هيسمح لك تعمل كده يا أمور؟!
التفت أبص له بجمود ظاهري، وهي لحظة اللي إديت ضهري فيها لـ “إسماعيل”.. لحظة واحدة ولقيته نازل على راسي بالشا*كوش ضر*ب لحد ما سمعت صوت كـ*ـسر جمـ*ـجمتي، وحسيت بالد*م مغرق وشي، وبعدها وقعت على الأرض، وهو ما رحمنيش، فضل مكمل لحد ما روحي طلعت… بس عارفة إيه اللي واجعني أكتر من الضر*ب والمو*ت؟.. إني مُـ*ـت وأنا متخانق مع أبويا.. وإن آخر ذكرى سايبهاله خناقة… أبويا هيوحشني قوي.. مالحقيتش أودعه.
الحزن والقهر اللي عيشته مع كل زائر، عيشت أضعافه مع “أدهم” اللي كنت حاساه واحد من عيلتي، لمـ,ـستني كل كلمة قالها، وغضبت للغدر اللي اتعرض له من قا*تل حقير قدر يتماسك قصادي ويتكلم معايا بكل بثبات وهدوء، أخدت نفس قوي وأنا بقوله:
– المخد*رات لسه في المخزن؟!
= وجـ*ـثتي كمان في تلاجة المخزن.
قولتله بغضب:
– و”إسماعيل” كمان تحت، ونص ساعة والشرطة كمان هتكون تحت.
ومسكت تليفوني اتصلت بـ “حسام” ابن خالي في قسم شرق وبلغته إني حسيت بحاجة مريبة في السوبر ماركت من الولد اللي واقف فيه وأنا داخلة أشتري حاجات.
قفلت مع “حسام” وعينيا متعلقة بـ “أدهم” اللي الحزن كان مسيطر على ملامحه وهو بيقولي:
– عايز أوصيكي على أبويا يا أستاذة، دلوقتي مالوش حد، وبالله عليكي تقوليله مايزعل مني، أنا بحبه حتى لو عمري ما قولتله الكلمة دي، وعارف إنه بيحبني وكان نفسه يشوفني أحسن راجل في الدنيا.. قوليله يسامحني ويدعيلي في كل صلاة.. وطمينه وقوليله إني مش زعلان منه.. قوليله إني ما اتو*جعتش وأنا بمو*ت، طمنينه عليا بالله عليكي.
كأنه واخد عهد إنه يفر*م قلبي بكلامه، وغصب عني ابتديت أعيط وبصوت، عشان أخرج البلكونة وأنا رافعة راسي لربنا وبدعيه:
– يارب ارحمه بواسع رحمتك، وصبر أبوه.