منوعات

خفايا

دقايق والشمعة ابتدت تبعد للحظات وتقف للحظات كأنها بتناديني أو مستنياني ألحقها، وفعلًا في دقيقة كنت بفتح الباب الخلفي للبيت وبمشي ناحيتها، شوية ولقيت سرعتها بتزيد، لكن الغريب إنها ماكانتش بتنطفي رغم الهوا القوي لحد كبير.

ابتديت أسرع في خطواتي، لدرجة إنها اتحولت لجري وأنا مش مركزة في أي حاجة غير نور الشمعة اللي ابتدى يزيد لحد ما لقيت نفسي فجأة قدام بيت “هانم” المهجور، ضربات قلبي ابتدت تتضاعف، وعينيا ابتدت تدور في كل مكان حواليا عشان ألاقي البلد كلها ضلمة، مفيش نور لمبة واحدة، وكأن الكهربا قطعت.

خوفي زاد، وجسمي ابتدى يرتعش وابتديت أحس ببرودة الجو، حاولت أرجع البيت لكن رجليا كانت رافضة تتحرك، ده غير الفضول اللي جوايا واللي عايز يعرف ويفهم فيه إيه؟! ..
وفعلًا استسلمت لفضولي ده ورجعت أركز مع ضوء الشمعة اللي في لحظة دخل من شباك البيت واختفى جواه.

اتحركت ناحية الشباك اللي كان قصير من كمية التراب والركام اللي جنبه، وطلعت فوق كومة التراب دي وأنا بحاول أبص جوه البيت، لكني لقيت نفسي فجأة اتزقيت بقوة عشان أقع مغمي عليا جواه.

مش فاكرة فضلت فاقدة لوعيي قد ايه!.. لكن اللي أخدت بالي منه إن الدنيا بره لسه ضلمة زي ماهي، يعني ممكن يكون كام دقيقة كده، قعدت في مكاني وابتديت استكشف المكان حواليا واللي حيطانه الطين كان ملزوق عليها كلها ورق جرايد قديم وأصفر، وجدار منهم فيه فتحة صغيرة من تحت زي فتحة الدفاية كده وجواها خشب وا*لع، كان مدفي البيت بشكل قوي، وبرضه كان منور المكان، لكن الغريب إن لـ*هب الشمعة اختفي وماعتش لقياه.

وفجأة وقعت عينيا على كنبة خشب مكسورة ومسنودة على كام طوبة فوقها كومة هدوم قديمة، قومت من مكاني بخوف وتوتر، وروحت ناحيتها وأنا بدقق النظر فيها عشان ألاقيها ست عجوزة جسمها كله مايجيش أربعين كيلو، ملفوفة ببطانية سودا قديمة ومقطعة، مش باين منها غير عينيها بس، لكن العجيب إن عينيها دي كانت بيضا، وفجأة سمعت صوتها الضعيف وهي بتقولي:
– تعرفي إنك أول واحدة تيجي تبارك ليا على فرح “سيدة”.. رغم إني عازمة البلد كلها وناصبة الصوان ومعلقة الأنوار من أول البلد لآخرها.

حسيت برجفة قوية في جسمي، لكني ما حاولتش أبين لها، وابتسمت ابتسامة مهزوزةوأنا بقولها:
– يمكن مشغولين، شوية وهتلاقيهم جايين.

نفضت الست طرف البطانية عن كتفها بايدها اللي مالياها حلقات بلاستيك لغطيان جراكن كبيرة كأنها غوايش، عشان تظهر رقبتها اللي مليانة خيوط ملضومة بقواقع بحر، عشان تقوم بجسمها النحيل اللي بيرتعش وهي ماشية ناحية قفص فاكهة معطوبة، تجيب برتقانة عليها طبقة عفن سودا وهي بتقولي:
-خدي من ايدي.

بصيت بصدمة للبرتقانة وأنا ببلع ريقي بصعوبة وبقولها:
-أنا اتعشيت ونويت الصيام.

رجعت حطيها مكانها وهي بتقولي:
-خليها افطري بيها.

واتلفتت ناحيتي وهي بتقولي:
-تعالي عشان نحني”سيدة” ونهيص لها، دي فرحة عمري اللي كنت مستنياها من يوم ما خلفتها.

واتحركت ناحية ركن تاني في البيت عشان ألاقي “فاطمة” مرمية فيه، هدومها متبهدلة، وشعرها منكوش، وايديها ورجليها مربوطين بحبال، وكملت كلامها:
– أنا عملت لها شعرها، وجهزتها لعريسها، لسه بس الحنة.

قلبي اتقبض بقوة وأنا ببص لـ “فاطمة” اللي مجرد ما شافتني ابتدت تعيط بشكل هيستيري وهي بتقولي:
– الحقيني.

جريت ناحيتها أحضنها بقوة وأنا ببص للست وبقولها:
– هي دي “سيدة” بنتك؟

ناولتني طبق الحنة وهي بتقولي:
– ايوه.. حنيها على ما أسخن المقص في النا*ر عشان أكو*يلها شعرها آخر مرة، زمان “سليم” جاي عشان يتحنى هو كمان.

بعدت “فاطمة” عني وأنا بحط طبق الحنة على الأرض وقولتها بصوت ودود:
– وفيه عروسة بتتحنى وهي متكتفة كده يا ست “هانم”.. فُكيها عشان أعرف أحنيها.

بصتلي بصة طويلة قبل ما ترمي المقص ناحيتي وهي بتقولي:
– معاكي حق..”سيدة” لازم تكون أجمل عروسة.. أنا هطلع أقابل عريسها على ما تخلصي.

وفجأة اختفت من قدامي عشان اتلفت ناحية “فاطمة” وأقص الر*باط اللي حوالين ايديها ورجليها اللي كانوا بيترعشوا، وأنا بقولها:
– ماتخافيش.. هنخرح من هنا.

لسه ما كملتش الكلمة ولقيت “سليم” بيقع من الشباك قدامي وهو بيتألم، عشان أشهق شهقة قوية وأنا ببصله قبل ما تظهر “هانم” قدامي وهي بتقولي بصوت فرحان:
– ده عريس “سيدة”.. حطيله الحنة بس اتوصي عشان تحمر وحياتهم مع بعض تطول.

بلعت ريقي بخوف وأنا ببصلها عشان أسمع صوت خبطة خفيفة جنبي، وألاقي “فاطمة” وقعت مغمى عليها ودماغها اتخبط في الجدار.

رجعت بعينيا تاني ناحية “سليم” أقوله بصوت واطي:
– ماتخافش “فاطمة” كويسة.. اسمع كل اللي هتقوله ونفذه من سكات وإحنا هنخرج من هنا.

بصلي “سليم” بخوف وهو بيقولي:
– أنا مش فاهم حاجة.

= أسمع اللي بقوله وبس.

وابتديت أحط حنة على ايده وأنا بقولها:
– وأدي الحنة في ايد عريس “سيدة”، يلا عشان نهيص لهم ونزفهم.

ابتسمت ابتسامة واسعة وهي بتنحني ناحية طبلة فخار مكسور حرفها، شالتها وابتدت تخبط عليها خبطات قوية غريبة وهي بتزغرط زغروطة أغرب بكتير، وابتدت تقول تعاويذ مش فاهماها، وفجأة حدفتنا بكمية كبيرة من حاجة زي الملح الخشن لكنها كانت سودا وبتلسع زي الكهربا.

فجأة فوقت لقيت “سليم” مرمي على الأرض وجنبه “فاطمة” في شقتهم وبقية العيلة واقفة حوالينا بصد*مة قوية، ورنة تليفوني مالية المكان، مسكت التليفون لقيت اسم “سليم” مكتوب على الشاشة، بصيت له وبيصت للتليفون بصدمة وأنا بفتح الخط ومكبر الصوت، عشان أسمع صوت “سليم” بيقولي بفرحة:
– أنا لقيت “فاطمة” وعيلتها.

#خفايا
#فاطمة_علي_محمد
#روائية_الراديو

انت في الصفحة 2 من 2 صفحاتالتالي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
1.7K

أنت تستخدم إضافة Adblock

انت تستخدم اضافة حجب الاعلانات من فضلك تصفح الموقع من متصفح اخر من موبايلك حتي تقوم بتصفح الموقع بشكل كامل