
من عشر سنين سافرت البلد لحمايا وحماتي عشان أحضر فرح “سليم” أخو جوزي، كنت طايرة من الفرحة خصوصًا إني متجوزة و”سليم” كان في ستة ابتدائي يعني له حتة كده في قلبي زيادة.
وصلنا البلد قبل الفرح بأسبوع كامل، وكانت الأنوار واخدة من أول البلد لحد البيت، والبيت أصلًا كان يعتبر في آخر البلد، لأن كان وراه بس بيت صغير من الطوب الطيني والسقف بتاعه كان من قش الرز وشوية حطب وخلاص، وبابه كان ألواح خشب مرصوصة جنب بعض ومربوطة بحبال، أما الشباك فكان فتحة متر في متر مفتوحة.
كل ده مش مهم لأن البيت ده أصلًا مهجور، كانت عايشة فيه ست مسنة اسمها “هانم” لوحدها سنين طويلة بعد ما بنتها الصغيرة اختفت فجأة، وهي كمان اختفت في فجر يوم من الأيام، الحكاية دي “سليم” كان حكيهالي من زمان، وفي كل زيارة من زياراتي للبلد كنت بشوف البيت بتختفي معالمه، لحد ما بقا مقلب زبالة لكل أهل البلد.
مجرد ما وصلنا البيت والعيلة كلها رحبت بينا وبالولاد، اللي ولاد عمهم أخدوهم عشان يلعبوا سوا قدام البيت، و جوزي خرج مع أخواته عشان يتمموا علي الفراشة، أما أنا فاتلخمت في المطبخ مع ستات البيت، عشان فجأة ألاقي “سليم” جاي عليا جري وهو بيقولي بصوت واطي:
– عايزك بره في كلمتين.
سيبت اللي في ايدي وخرجت وأنا مستغربة الموقف، عشان يقولي:
– “فاطمة” عايزة تلغي الفرح.
بصيت له بصدمة وأنا بهز راسي وبقوله:
– ليه؟!
= معرفش.. لقيتها باعتالي رسالة بتقولي “أنا مش عايزة اتجوزك”.. حاولت اتصل بيها لقيتها قافلة تليفونها، اتصلت بأمها وأبوها تليفوناتهم كلها مقفولة.
كلامه كله صدمات بالنسبالي، خصوصًا إن “فاطمة” حب خمس سنين صيدلة، وبعدها كمان سنتين خطوبة، وكمان الكتاب اتكتب والشقة اتفرشت، يعني مفيش أي سبب منطقي لرسالة زي دي، فقولته:
– أكيد تليفونها اتسر,ق وحد عامل فيك مقلب، وإلا كانت كلمتك بنفسها، أو أبوها كلمك، ماهو مش اتفاق عيال.
=طب أعمل ايه دلوقتي؟
– هنروح لها البيت.. هغير هدومي وأجيلك.. ماتعرفش حد لحد مانشوف الحكاية إيه.
وفعلًا عشر دقايق وكنا في الطريق لبيتها اللي في أول البلد، وعشر دقايق كمان وكنا بنخبط على باب البيت لكنه كان من غير أي نتيجة، لحد ما حد من الجيران قالنا:
– محدش موجود من الفجر.
استغربنا جدًا، وابتدينا نسأل كل البيوت اللي في الشارع والرد كان واحد:
– ما شوفناهومش النهاردة.
مع كل رد زي ده “سليم” كان بيتجنن وهو بيسأل الناس، عشان في دقايق نلاقي البلد اتقلبت والعيلة كلها جت لحد بيت “فاطمة”، والكل ابتدي بيسأل في أي مكان يخطر ومايخطرش ع البال، لدرجة إننا سألنا في البلاد اللي جنبنا، وكمان الغفير بلغ مركز الشرطة، وفي يوم واحد الفرح اتحول لخو*ف وقلق وتوتر.
يومين عينينا ماشافتش نوم؛ حتى الولاد الصغيرة كانت بتبصلنا بخوف وهما مش فاهمين أي حاجة، و”سليم” اللي كان طاير من الفرحة اتبدل لشبـ*ـح تعيس عينيه مليانة بالدموع، لكنه كاتم وجعه جواه.
صلينا العشا والناس ابتدت تزهق وتمشي، والبيت فضي علينا، و”سليم” طلع شقته اللي كان هيتجوز فيها وقفل بابها عليه، وحمايا طلب من الكل إنه يدخل يرتاح شوية، وفعلًا كل واحد دخل أوضته، وأنا دخلت مع الولاد أطمنهم لحد ما يناموا، وهما أصلًا ماكانوش محتاجين مني مجهود كبير عشان يناموا، مجرد ما دماغهم لمست المخدة راحوا في النوم.
أما أنا فدماغي كان فيها حر*ب شغالة بتحاول تدور على أي خيط يوصلنا ليهم، ويرجع لنا فرحة “سليم” اللي اختفت مع اختفاء “فاطمة” وعيليتها، عشان يلفت نظري نقطة ضوء خفيفة بتتحرك ورا إزاز الشباك، كأنها شمعة، نفضت الغطا وجريت ناحية الشباك أشوف مين بره، لكني مالقيتش أي مخلوق، هو يدوب لـهـ*ـب شمعة بتحرك ورا البيت.