منوعات

“رحلة : 709 : لا تنظر إلى النافذة” .  

“رحلة : 709 : لا تنظر إلى النافذة” .

الساعة كانت حوالي واحدة بعد منتصف الليل، والرحلة رقم 709 أقلعت من مطار القاهرة الدولي متجهة إلى باريس. الطائرة كانت من النوع الكبير، كراسيها مريحة والإضاءة خافتة، والركاب أغلبهم إما نايمين أو مغمضين عيونهم في هدوء. الجو كان ساكن تمامًا، وصوت المحركات بيغطي على أي همس داخل الكابينة. الطاقم بدأ يوزع المشروبات، والناس اللي لسه صاحيين بيحاولوا يشغلوا نفسهم بأي حاجة.. قراءة، سماع موسيقى، أو حتى التحديق في الفراغ.

في آخر الصفوف، كان قاعد شاب اسمه شريف، مسافر لوحده لأول مرة. كان مضطرب شوية، مش من الطيران، لكن من إحساس غريب بدأ يراوده من أول ما دخل الطيارة. حس إن الجو مش طبيعي، كأن فيه حاجة تقيلة في الهوا، كأن الطيارة دي مش عادية. حاول يتجاهل الإحساس ده ويفتح الشباك اللي جنبه.. الدنيا كانت ضلمة بره، إلا من شوية نجوم بعيدة جدًا.

فجأة، لمحت عينه حركة عند الزجاج. حاجة سريعة جدًا، كأن حد مر قدام الشباك من بره الطيارة! قلبه وقع في رجله، لكنه حاول يهدى نفسه: “أكيد أوهام.. الطيارة ماشية بسرعة فظيعة وعلى ارتفاع شاهق، مستحيل يكون فيه حد بره!”، لكن الإحساس ما فارقوش.

بعد ثواني، شريف حس إن فيه حد بيبص عليه.. إحساس قوي جدًا، زي ما يكون حد واقف جنبه بيحدق فيه بقوة. لف راسه ببطء، و… شافه.

وجه.. وجه مخيف جدًا، لازق في زجاج النافذة من بره الطيارة!

عيونه كانت سودا واسعة، ملامحه ممسوحة كأنه وجه شبح، جلده شفاف شبه الميتين، لكنه كان حي.. حي جدًا! كان بيبص على شريف مباشرة، وعينه كانت مليانة شر رهيب.

شريف شهق بصوت عالي، واترعش جسمه كله، قام من مكانه بسرعة لدرجة إنه وقع على الأرض. المضيفة جريت عليه وهي بتسأله بقلق:

“حضرتك كويس؟!”

لكن شريف كان مش قادر ينطق، كان عمال يشاور على الشباك وهو بيتنفس بصعوبة. كل الناس اللي حواليه بصوا ناحية الشباك.. لكن مفيش حاجة.

راجل كبير في السن قاعد في الكرسي اللي وراه قال بضحكة متوترة:

“شكل النوم غلبك يا ابني، الطيارات ساعات بتعمل حركات تخلي الواحد يتخيل حاجات!”

شريف حس بإحراج، لكنه كان متأكد إنه شاف حاجة. أخد نفس عميق، وحاول يقنع نفسه إنه فعلاً بيتخيل. رجع قعد في مكانه، لكنه حس إن الجو بقى أبرد.. بارد بطريقة غريبة، كأن الطيارة دخلت فجأة في منطقة مظلمة.

الدقايق مرت بطيئة، وكل حاجة بقت هادية.. لحد ما الصوت بدأ.

صوت خربشة..

مش خربشة عادية، لا.. دي كانت خربشة على جسم الطيارة من بره!

كل الركاب بقوا ساكتين، البعض رفع راسه من النوم وهو بيحاول يفهم الصوت ده جاي منين. المضيفين كانوا بيبصوا لبعض بقلق، واضح إن الصوت مش طبيعي.

وفجأة.. واحد من الركاب اللي قاعدين جنب النافذة في الصف التاني شهق برعب، وقام من مكانه بسرعة!

“فيه حد بره!! فيه حد بره الطيارة!!!”

كل العيون اتوجهت ناحيته، وبعدها ناحيه الشباك اللي كان بيشاور عليه.

وهناك.. شافوا الوجه.

مش وجه واحد، لأ.. كانوا أكتر من وجه، لازقين في الزجاج، عيونهم سودا، ملامحهم كأنها متآكلة، وشوشهم كانت بتتمدد وتتحرك وكأنها بتصرخ من غير صوت.

صرخات الركاب ملأت الكابينة، والناس بقوا بيتراجعوا عن الشبابيك، بعضهم قام يجري ناحية المضيفات، وآخرين فضلوا متجمدين في أماكنهم من الرعب.

الكابتن أعلن من السماعات بصوت مضطرب:

“السادة الركاب، نرجو الجلوس في أماكنكم وربط الأحزمة، سنقوم بالتحقق فورًا.”

لكن الركاب كانوا في حالة فوضى.. واللي حصل بعدها كان أسوأ.

الأضواء بدأت تطفي وتنور لوحدها، الصوت الغريب بقى أعلى، مش خربشة بس، لكن كأن فيه حاجة بتتحرك فوق الطيارة نفسها!

وفجأة، واحد من الركاب اللي قاعدين جنب الشباك اتسحب!!

جسده ارتفع لفوق وكأنه حد شده بقوة غير طبيعية، صرخته اخترقت الضجيج، وقبل ما حد يقدر يتحرك لإنقاذه، فجأة.. الباب الجانبي للطيارة انفتح!!!

ضغط الهواء سحب كل حاجة بقوة، الركاب بقوا متشبثين بكراسيهم، والصراخ كان في كل مكان، والباب كان مفتوح على الفراغ الأسود!

وأسوأ حاجة.. إن الكيانات اللي بره الطيارة بدأت تدخل!!!

شريف شهق وهو بيفتح عيونه فجأة!

كان لسه في مكانه، في كرسي الطيارة، وكل حاجة حواليه هادية تمامًا. قلبه كان بيدق بسرعة فظيعة، والعرق مغرق وشه رغم إن الجو كان بارد.

بص حواليه وهو بيحاول يستوعب.. الكراسي في مكانها، الركاب نايمين أو مشغولين بموبايلاتهم، المضيفات بيتحركوا بهدوء، ومافيش أي أثر للفوضى اللي حصلت من لحظات.

“حلم؟!”

صوته كان مهزوز، عقلُه رافض يصدق، لكنه كان متأكد إنه شاف الكيانات.. شاف الباب وهو بيتفتح.. شاف الناس بتتسحب!

حاول ياخد نفس عميق، يحاول يهدّي دقات قلبه. “مجرد حلم.. أكيد مجرد حلم!”

لكنه كان حاسس بحاجة غريبة.

مش مجرد توتر، مش مجرد خوف.. لا.

كان حاسس إن فيه حاجة مش في مكانها، كأن الواقع نفسه مش متماسك.

مد إيده ومسح وشه، وهو بيحاول يرجع لطبيعته. بص على الشباك جنبُه، لقاه زي ما هو، مافيش أي حاجة بره، بس وهو بيتأمل زجاج النافذة..

حاجبه تقوس ببطء.

كان فيه طبقة رقيقة جدًا من الضباب على الزجاج، كأن حد كان قريب منه.. كأن أنفاس حد كانت هناك.

إحساس بارد ضرب ضهره، حاجة عرفت طريقها لقلبه..

لإن في وسط الضباب.. كان فيه أثر يد!

يد مطبوعة على الزجاج من بره!

شريف حس بتشنج في كل عضلاته، جسده بقى بارد بالكامل، والهواء حواليه بقى تقيل.

لو كان ده مجرد حلم..

ليه فيه دليل على إنه كان حقيقي؟!

شريف كان متجمد في مكانه، عينيه مثبتة على أثر اليد اللي مطبوع على الزجاج من بره الطيارة. عقله كان بيصرخ إنه مستحيل، مستحيل حد يلمس الزجاج من بره على الارتفاع ده!

حاول يبلع ريقه، قلبه كان بيدق بسرعة عنيفة، إحساس بالرعب الخالص مسيطر عليه. بص حواليه، شاف المضيفة ماشية بين الركاب بتوزع مشروبات، ناس نايمة، ناس بتتكلم بهدوء.. كأن كل حاجة طبيعية تمامًا.

لكن بالنسباله؟ لا.. ولا شيء طبيعي.

حاول يلمس الزجاج بأطراف صوابعه، كان بارد جدًا، أبرد من المعتاد. فجأة، حس بتيار هواء بارد لمس إيده.. رغم إن الشباك مقفول!

شهق وتراجع بسرعة، ووقتها.. شاف الحركة.

لمحة سريعة.. ظل غامق تحرك برا الطيارة!

اتجمد في مكانه، عينيه وسعت وهو بيحاول يستوعب اللي شافه. كان سريع، مجرد شبح أسود مرق أمام النافذة، لكن شريف كان متأكد إنه شاف “حاجة”.

الحلم..

هل كان حلم فعلًا؟

ولا كان تحذير؟

قبل ما يقدر يجاوب على السؤال، حس بحاجة تانية..

صوت!

صوت واطي جدًا.. أقرب للهمس.

كان جاي من النافذة.

مال بجسمه ناحية الزجاج وهو بيحاول يسمع كويس، ضربات قلبه كانت أعلي من اللازم، لكنه فضل مركز. الصوت كان ضعيف، لكنه واضح:

“شــريــف…!”

شهق وتراجع بسرعة، عينيه كانت مليانة رعب..

حد نادى اسمه.

حد بره الطيارة نادى اسمه!!!

ضرب الكرسي اللي قدامه وهو بيحاول يوقف، لكنه حس بدوخة، كأن جسمه بقى تقيل فجأة. حط إيده على جبينه.. كان عرقان ومتجمد في نفس الوقت.

المضيفة شافته واتجهت ناحيته بسرعة.

“حضرتك كويس؟ وشك شاحب!”

بص لها بعينين مذعورين، كان لسه بيحاول يستوعب اللي سمعه.

“أنا.. أنا بس حاسس بدوخة.”

ابتسمت بلطف وقالت:

“ممكن يكون ضغطك واطي، تحب شوية مياه؟”

هز راسه، وهو لسه عينيه على الشباك.

مافيش أي أثر لليد، وكأنها ماكنتش موجودة أصلاً.

لكن شريف كان عارف الحقيقة..

هي كانت موجودة.

ومافيش حاجة اختفت كده بدون سبب.

المضيفة رجعت له بكوباية مياه، ولما مدت إيديها ناولته، وقف الزمن للحظة.

إيديها!

كانت مليانة خدوش سطحيّة.. كأنها كانت بتحاول تخربش حاجة بإصرار!

شريف رفع عينيه ببطء وبص في وشها..

وهي ابتسمت.

لكن الابتسامة كانت “غلط”.

واسعة أكتر من اللازم.

ثابتة أكتر من اللازم.

وعينيها..

كانت سودا بالكامل.

شريف حس بروحه بتنسحب من جسمه وهو بيبص في عيون المضيفة. كانت سودا تمامًا، مافيهاش بياض، كأنها مش بشرية.. كأنها حفرتين سودا في وشها بتمتص أي نور حواليها.

الابتسامة المرسومة على وشها فضلت ثابتة، باردة، ومزعجة.

إيده كانت مرتعشة وهو بياخد منها كوباية المياه، لكنه حس بحاجة غريبة..

الكوباية كانت دافية!

مش سخنة، لكن دافية.. وكأن المياه فيها مش مياه..

بإحساس غريزي، بص جوه الكوباية..

اللون كان غامق شوية..

السابقانت في الصفحة 1 من 2 صفحات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
0

أنت تستخدم إضافة Adblock

انت تستخدم اضافة حجب الاعلانات من فضلك تصفح الموقع من متصفح اخر من موبايلك حتي تقوم بتصفح الموقع بشكل كامل