منوعات

قال تعالى : خلق من ماء دافق يخرج من بين الصـ,ـلب والترائب .. ما هما الصلب والترائب ؟  

 

 

قال تعالى : خلق من ماء دافق يخرج من بين الصلب والترائب .. ما هما الصلب والترائب ؟

 

 

الفاء لتفريع الأمر بالنظر في الخلقة الأولى ، على ما أريد من قوله : إن كل نفس لما عليها حافظ من لوازم معناه ، وهو إثبات البعث الذي أنكروه على طريقة الكناية التلويحية الرمزية كما تقدم آنفا ، فالتقدير : فإن رأيتم البعث محالا فلينظر الإنسان مم خلق ليعلم أن الخلق الثاني ليس بأبعد من الخلق الأول .

فهذه الفاء مفيدة مفاد فاء الفصـ,ـيحة .

والنظر : نظر العقل ، وهو التفكر المؤدي إلى علم شيء بالاستدلال ، فالمأمور به نظر المنكر للبعث في أدلة إثباته كما يقتضيه التفريع على إن كل نفس لما عليها حافظ .

و ( من ) من قوله : ( مم خلق ) ابتدائية متعلقة بـ خلق . والمعنى : فليتفكر الإنسان في جواب : ما شيء خلق منه ؟ فقدم المعلق على عامله تبعا لتقديم ما اتصلت به من من اسم الاستفهام .

وما استفهامية علقت فعل النظر العقلي عن العمل .

والاستفهام مستعمل في الإيقاظ والتنبيه إلى ما يجب علمه كقوله تعالى : من أي شيء خلقه فالاستفهام هنا مجاز مرسل مركب .

 

 

 

 

 

 

 

وحذف ألف ما الاستفهامية على طريقة وقوعها مجرورة .

[ ص: 262 ] ولكون الاستفهام غير حقيقي أجاب عنه المتكلم بالاستفهام على طريقة قوله : عم يتساءلون عن النبإ العظيم .

والإنسان مراد به خصوص منكر البعث كما علمت آنفا من مقتضى التفريع في قوله : فلينظر إلخ .

ومعنى دافق خارج بقوة وسرعة والأشهر أنه يقال على نطفة الرجل .

وصيغة دافق اسم فاعل من دفق القاصر ، وهو قول فريق من اللغويين . وقال الجمهور : لا يستعمل دفق قاصرا . وجعلوا دافقا بمعنى اسم المفعول وجعلوا ذلك من النادر .

وعن الفراء : أهل الحجاز يجعلون المفعول فاعلا ، إذا كان في طريقة النعت . وسيبويه جعله من صيغ النسب كقولهم : لابن وتامر ، ففسر دافق : بذي دفق .

والأحسن أن يكون اسم فاعل ويكون دفق مطاوع دفقه كما جعل العجاج جبر بمعنى انجبر في قوله :قد جبر الدين الإله فجبر

وأنه سماعي .

 

وأطنب في وصف هذا الماء الدافق لإدماج التعليم والعبرة بدقائق التكوين ليستيقظ الجاهل الكافر ويزداد المؤمن علما ويقينا .

 

ووصف أنه يخرج من بين الصلب والترائب لأن الناس لا يتفطنون لذلك .

 

والخروج مستعمل في ابتداء التنقل من مكان إلى مكان ولو بدون بروز ، فإن بروز هذا الماء لا يكون من بين الصلب والترائب .

 

والصلب : العمود العظمي الكائن في وسط الظهر ، وهو ذو الفقرات .

 

والترائب : جمع تريبة ، ويقال : تريب . ومحرر أقوال اللغويين فيها أنها عظام الصدر التي بين الترقوتين والثديين ، ووسمه بأنه موضع القلادة من المرأة .

 

[ ص: 263 ] والترائب تضاف إلى الرجل وإلى المرأة ، ولكن أكثر وقوعها في كلامهم في أوصاف النساء لعدم احتياجهم إلى وصفها في الرجال .

 

وقوله :

 

يخرج من بين الصلب والترائب

 

الضمير عائد إلى

 

ماء دافق

 

 

وهو المتبادر ، فتكون جملة يخرج حالا من

 

 

 

 

ماء دافق

 

أي : يمر ذلك الماء بعد أن يفرز من بين صلب الرجل وترائبه . وبهذا قال سفيان والحسن ، أي أن أصل تكون ذلك الماء وتنقله من بين الصلب والترائب ، وليس المعنى أنه يمر بين الصلب والترائب ، إذ لا يتصور ممر بين الصلب والترائب ; لأن الذي بينهما هو ما يحويه باطن الصدر والضلوع من قلب ورئتين ، فجعل الإنسان مخلوقا من ماء الرجل لأنه لا يتكون جـ,ـسم الإنسان في رحم المرأة إلا بعد أن يخالطها ماء الرجل ، فإذا اختلط ماء الرجل بما يسمى ماء المرأة وهو شيء رطب كالماء يحتوي على بويضات دقيقة يثبت منها ما يتكون منه الجنين ويطرح ما عداه .

 

وهذا مخاطبة للناس بما يعرفون يومئذ بكلام مجمل ، مع التنبيه على أن

 

خلق الإنسان من ماء الرجل وماء المرأة

 

بذكر الترائب ; لأن الأشهر أنها لا تطـ,ـلق إلا على ما بين ثديي المـ,ـرأة .

 

ولا شك أن النسل يتكون من الرجل والـ,ـمرأة ، فيتكون من ماء الرجل وهو سائل فيه أجسام صغيرة تسمى في الطب الحيوانات المنوية ، وهي خيوط مستطيلة مؤلفة من طرف مسطح بيضوي الشكل وذنب دقيق كخيط ، وهذه الخيوط يكون منها تلقيح النسل في رحم المرأة ومقرها الأنثـ,ـيان وهما الخصـ,ـيتان فيندفع إلى رحم المرأة .

 

ومن ماء هو للمرأة كالمني للرجل ويسمى ماء المرأة ، وهو بويضات دقيقة كروية الشكل تكون في سائل مقره حويصلة من حويصلات يشتمل عليها مبيـ,ـضان للمرأة وهما بمنزلة الأنثيين للرجل فهما غدتان تكونان في جانبي رحم المرأة ، وكل مبيض يشتمل على عدد من الحويصلات يتراوح من عشر إلى عشرين ، وخروج البيضة من الحويصلة يكون عند انتهاء نمو الحويصلة ، فإذا انتهى [ ص: 264 ] نموها اڼفجرت فخرجت البيضة في قناة تبلغ بها إلى تجويف الرحم ، وإنما يتم بلوغ البيضة النمو وخروجها من الحويصلة في وقت حيض المرأة فلذلك يكثر العلـ,ـوق إذا باشر الرجل المرأة بقرب انتهاء حيـ,ـضها .

 

وأصل مادة كلا الماءين مادة دمـ,ـوية تنفصل عن الدماغ وتنزل في عرقين خلف الأذنين ، فأما في الرجل فيتصل العرقـ,ـان بالنخاع وهو الصلب ، ثم ينتهي إلى عرق ما يسمى الحبل المنـ,ـوي مؤلف من شرايين وأوردة وأعصاب وينتهي إلى الأنثيين وهما الغدتان اللتان تفرزان المني ، فيتكون هنالك بكيفية دهنية وتبقى منتشرة في الأنثيين إلى أن تفرزها الأنثيان مادة دهنية شحمـ,ـية وذلك عند دغدغـ,ـة ولذـ,ـع القـ,ـضيب المتـ,ـصل بالأنثيين فيندفق في رحم المرأة .

 

وأما بالنسبة إلى المرأة فالعـ,ـرقان اللذان خلف الأذنين يمران بأعلى صدر المـ,ـرأة وهو الترائب ; لأن فيه الثديين وهما من الأعضاء المتصلة بالعروق التي يسير فيها ډم الحيض الحامل للبويضات التي منها النسل . والحيض يسيل من فوهات عروق في الرحم ، وهي عروق تنفتح عند حلول إبان المحـ,ـيض وتنقـ,ـبض عقب الطهر ، والرحم يأتيها عـ,ـصب من الدماغ .

 

وهذا من

 

الإعجاز العلمي في القرآن

 

الذي لم يكن علم به للذين نزل بينهم ، وهو إشارة مجملة وقد بينها حديث مسلم عن

 

أم سلمة

 

وعائشة

 

أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن احتلام المرأة فقال : تغتسل إذا أبصـ,ـرت الماء . فقيل له : أترى المرأة ذلك ؟ فقال : وهل يكون الشبه إلا من قبل ذلك ، إذا علا ماء المرأة ماء الرجل أشبه الولد أخواله ، وإذا علا ماء الرجل ماءها أشبه أعمامه

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
6

أنت تستخدم إضافة Adblock

انت تستخدم اضافة حجب الاعلانات من فضلك تصفح الموقع من متصفح اخر من موبايلك حتي تقوم بتصفح الموقع بشكل كامل