منوعات

قصة بقلم: أحمد محمود شرقاوي

من كام يوم جالي أمر تكليف ولقيت نفسي هروح محافظة تانية لمدة شهر عشان عندهم عجـ،ـز في دكاترة التشريح، واحنا هنا في العاصمة ما شاء الله كتير اوي، وبما اننا كتير وبما اني زعلت امي انهاردة فالاختيار وقع عليا، وطبعا مع وصلة مِن هيتصرف لك بدلات وحوافز وليك سكن فاخر هناك، انا عارف انه مجرد كلام ولا هيودي ولا هيجيب، من امتا المـ،ـ،ـشرحة فيها سكن فاخر..

بس أثار فضولي أعرف العجز ده بيحصل ليه في المشرحة دي، انا لسة قارئ قصة رعـ،ـب وجالي هاجس إن الجثـ،ـ،ـث هناك بتنـم،ـ،ـوت الدكاترة، ورفعت تليفوني واتصلت بواحد صاجبي من بتوع الأخبار السخنة..
تتصل بيه عشان تعرف أي خبر في أي مـ،ـشـ،ـرحة ويرد عليك بعد دقايق بالخبر لسة سخن وبسمسم كمان، وقولتله اني عايز أعرف العجز ده سببه ايه، مانا مش هروح على عمايا كدا..

قفل معايا ومفيش نص ساعة واتصل:

– تعبت اوي على ما جبتلك معلومات
– ايه بقا يا رايس فرحني
– مفيش يا سيدي بيقولك فيه راجل مجنون شغال عامل هناك اسمه عوض
– وماله عوض ده
– هو اللي بيطفش كل الدكاترة
– طيب ما يطردوه وخلاص
– مينفعش لأن عيلته هناك كبيرة ومحدش يقدر يطرده غير ان بيقولوا الادارة تخاف تطرده
– للدرجة دي
– ايوة
– طيب بيطفش الدكاترة ازاي
– بيقولك بيضرب الجـ،ـثث وبيتعامل معاها بعنـ،ـف شديد
– اييييه ؟؟
– هو ده اللي عرفته، شكلك داخل على خناقة يا معلم
– الله المستعان ياض يا عوض، بكرة هتسمع خبره معايا

قفلت معاه وانا متوتر جدا، هي المشرحة ناقصة مجانين كمان، وروحت قافل عيني نص قفلة زي المحققين كدا وقولت في سري.
“جايلك يا عوض”
بقلم: أحمد محمود شرقاوي
…………….
ووصلت المشرحة واستقبلني مجلس الإدارة اللي كان عبارة عن راجل كبير وبس، وده يليق بمشرحة مرمية في الغيطان بعيد عن العمار، غير ان المبنى نفسه مبني بعيد عن المستشفى، مبنى قديم ومتهالك عبارة عن دور واحد له باب حديد صغير جدا، تدخل منه تلاقي مكتبين واوضة للنوم، تكمل في الممر تلاقي الباب اللي بياخدك على التلاجة وصالة التشريح، وبس كدا، حتى المبنى مفيش فيه شبابيك عشان متدخلش الشمس للمـ،ـشـ،ـرحة، عشان تفضل البرودة هنا صيف وشتا..

خلصت اجراءات الاستلام ومضيت على ست جثث انهم بقوا في عهدتي، معرفش لبه افتكرت الناس اللي بترفض تمضي على استلام دفترين في شغلها، تعالى شوفني وانا بمضي على استلام الجثـ،ـث..

وعلى الساعة ٤ خلص الشغل الإداري كله وفضيت المكاتب من الاتنين موظفين ولقيت نفسي في المـ،ـشـ،ـرحة لوحدي، انا والست جثـ،ـث واوضة نوم الجثـ،ـث ترفض تنام فيها من كتر ماهي سيئة..

حسيت وقتها بالإرهاق وقررت أروح أنام شوية بعد السفر ده، رصيت حاجتي في الدولاب الصغير بعد ما ضربت كام فار صغير ونمت فورا من التعب وانا مستني السكن اللي المفروض هيجيلي بعد ايام..

نوم اسود كله هلاوس واصوات غريبة، وفوجئت بإيد ضخمة بتهـ،ـزني بعـ،ـنف وانا نايم، قمت من مكاني مفزوع وانا بتحسس الإيد وعمال أصيح:
– فيه ايييييه
مفيش لحظة حد ولع النور وشوفت في وشي راجل ميـ،ـت، وصرخت، فضل باصصلي ببرود شديد وقال:
– حمدا لله على السلامة يا دكتور
ايه ده، هي الجـ،ثث محترمة هنا للدرجة دي، لقيته اداني ضهره وبصيغة الأمر كمل:
– يالا قوم عندنا شغل كتير
فضلت مكاني مبهور شويتين تلاتة لحد ما ركزت وفهمت، هو ده بقا عوض، أيامك مش فايتة معايا يابن المخضوضة..

فضلت انهج شوية على ما جسمي هدي شوية من الخضة دي، خرجت من الاوضة على صالة التشريح على طول، وشوفت عوض قدامي، واحد لابس جلبية سودة بظعبوط، معرفش ده اسمه ايه، عنيه لونها أبيض شوية والنن بتاعها قرب يختفي، وشه تحسه جامد زي الحجر مفيش فيه أي مشاعر، ولولا انه بيتكلم ويحرك شفايفه لكنت قولت انه اتنحت من الصخر..

بصتله بسخرية وإن كان قلبي حاسس برهبة تجاهه وقولت:
– اعملي قهوة يا عوض
وفضلت مركز على عنيه أوي، وبصراحة الراجل اتحرك ناحية المطبخ الصغير عشان يعملها، ابتسمت وانا بتخيل نفسي مقلعه هدومه وبعذبه وبطفي في جسمه السجاير وهو عمال يقول
“حرمت يا دكتور”
هو ده بقا الأبضاي اللي بيطفش الدكاترة، ماااااااشي..

بعد دقايق جبلي القهوة وانا بفكر ارميها في وشه واقوله دي وحـ،ـشة بس كدا هبقا عديت مرحلة جوز الأم المتحرش المتسلط، شربت القهوة وفقت شويتين بعدها قولتله:
– عندنا ايه انهاردة
– جثتين يا دكتور واحدة من نجع الحسيني والتانية من كفر البلور
– طيب جهز الجـ،ـثث عقبال ما ادخل الحمام واجيلك
وفعلا دخلت الحمام وخرجت عشان افتح بقي على أخره وأقف مصدوم، عوض كان شايل الجـ،ـثة على كتفه من الدرج وراح رازعها بكل قوته على طاولة التشـ،ـريح..

لدرجة اني حسيت ان ضهرها هيتكسر من الضربة، رددت وانا واقف مكاني:
– يخربيتك، انت بتهبب ايه
بصلي بنفس البرود وقال:
– الجثة دي مشاغبة وهتتعبنا فانا بخوفها عشان نخلص شغلنا بسرعة
– بتخوف ايه غور في داهية من قدامي
لقيته فجأة بصلي بصة جمدت الدم في عروقي، صدقا انا كنت خايف منه اكتر من الجثـ،ـث نفسها، تجاهلته بصعوبة واشتغلت على جـ،ـ،ـثة البنت اللي كانت ميتة في المستشفى بجرعة ادوية زايدة، والنيابة كانت عايزة تقرير التشريح الصبح..

خلصتها وبعدها اشتغلت على جـ،ـثة الراجل التاني لحد ما خلصتها، وطلبت منه يقفل الجـ،ـثث ويرجعها مكانها، ولما خرجت للأسف سمعت صوت خبط ورزع كأنه بيتعامل مع حديد مش جـ،ـثث آد..مية..

الراجل ده أكيد مجنون، أو عنده  من نوع غريب، وانا استحالة أسمح باللي بيحصل ده، ودخلت انام عشان أفصل من التفكير والاحساس الغريب اللي مسكني ده..

وتاني يوم اتصلت بالإدارة في القاهرة وبلغتهم باللي بيحصل، بس الغريب أنهم حاولوا يتهربوا وقالوا ان ده شغل الادارة اللي هنا واني مش هطول هنا كتير وكلام غريب من المسكنات دي..

وعلى العصر جتلنا جثة جديدة وخزنها عوض في الدرج عشان نشتغل عليها بالليل، وطبعا نبهت عليه ميصحنيش زي امبارح وإلا هخلي ايامه متعديش معايا..

مش عارف ليه كنت غضبان وقرفان وحاسس بغم كبير من وقت ما جيت المكان ده، في النهاية نمت..

وظبطت المنبه على الساعة ١٠ بالليل عشان اقوم اشتغل شوية في الهدوء، وفعلا بعد نوم كالعادة كله قلق صحيت الساعة ١٠ بالليل..

كان عوض موجود كالعادة وده لأني عرفت انه ساكن في بيت قديم جمب المـ،ـشـ،ـرحة نفسها، طلبت منه يجهز الجثة واياك يرزعها زي ما عمل امبارح، وشربت قهوتي ووقفت قدام الجثة الممددة اتأملها..

بنت في العشرينات من عمرها، مطعونة في بطنها وصدرها كذا طعـ،ـ،ـنة وفيه أثـ،ـار خربشة على جسمها في كل مكان تقريبا، تشخيص مبدأي دي حالة  ، وفعلا كان واضح أوي اثار للانتهـ،ـ،ـاك اللي حصل للبنت دي..

عوض كان واقف جمبي بيراقب ومبينطقش، ووسط مانا شغال سمعت صوت تأوهات جاية من الجـ،ـثة اللي صدرها كله مشقوق، جسمي اترعش زي ما بيترعش كل مرة بتحصل فيها أمور زي دي..

لفيت مسكت المشرط ورجعت بصيت لقيت ركبة الجـ،ـ،ـثة اتنت شوية، مع اني واثق اني بفرد رجليها كويس قبل التشريح، سمعت برطمة غريبة من عوض وشوفت نظرات مخـ،ـيفة في عنيه بس تجاهلته..

اتحركت من مكاني لاوضة المكتب أجيب مشرط جديد عشان افاجئ بصوت غريب جاي من صالة التـ،ـشرـ،ـيح..

روحت من تاني عشان افاجئ بعوض ماسك عصاية وبيضرب الجثـ،ـة على رجليها جامد، والمرعب اني كنت سامع صوت تأوهات ضعيفة جدا وكأن الجـ،ـ،ـثة بتتأ.لم، انا اتشليت مكاني ومبقتش فاهم أي حاجة إطلاقا، جريت عليه ومسكته بعنف وانا بقول:

– دانت مجنون بقا

لقيته زقني بقوة وقال:

– البت دي مش هتحترم نفسها غير بالضرب، عمالة تتحرك وتتكلم ومش عارفين نشتغل
– لا ده انت مجنون فعلا

مسكت من ايده العصاية بعنف وكسرتها وقولتله يخرج من المكان كله، قالي انه هيسكت بس مينفعش انا اطرده من المكان لأني مليش حق في كدا..
حسيت اني لو كملت كلامي معاه هغرز المشرط في عنيه، وبدون ارادة مني لقتني بطبطب على الجثـ،ـة وبعتذر لها، كنت ناقص أبكي عشانها، دي بني أدمة حتى لو كانت ميتة..

وكملت تشريح وانا في ودني صوت بكاء جاي من بعيد اوي، لدرجة ان دموعي نزلت على الجـ،ـثة وانا بشرحها، في النهاية خلصت وحطيتها في الدرج ورجعت اوضتي وانا مش طايق نفسي..

وفوجئت بعوض في الاوضة على سريري، كلمته بغضب وقولت:
– انت ايه اللي جابك هنا
– اوضتي يا دكتور اللي انا مقيم فيها
– امال انا هقيم في ادراج الجثث
– يا دكتور ادارة المستشفى لسة موفرتش لك مكان وبتعتمد اني بسيب اوضتي للدكتور وبتتأخر، وبما انك بتعاملني كدا فانا هاخد اوضتي منك
– وانا هنام في الشارع يعني
– مش مشكلتي يا بيه، استنا لبكرة لحد ما الادارة تيجي وتفتكرك

رجعت لصالة التشريح وانا حزين جدا، حزين على كل حاجة بتحصل قدامي وانا مش عارف اتصرف، حتى الاوضة فهي في النهاية حقه لأنها اوضة العامل مش الدكتور، المفترض يتوفرلي مكان قريب من المـ،ـشـ،ـرحة كسكن، بس واضح ان الادارة بتستسهل وتكبر دماغها..

وغصب عني لقتني بكلم نفسي، بفتكر كل القرف اللي شوفته في حياتي لحد انهاردة، حتى مشهد الجثة وهي بتضرب قدامي، كان مشهد قاسي جدا، وفجأة النور كله قطع، وبقيت قدام درج الجـ،ـثة لوحدي وسط الضلمة، بدأت أتحرك ناحية الباب عشان أحس بإيد قوية بتزقني لبرة، شهقت وحاولت ابص لورا بس كنت كل ما ابص الإيد تزقني اقوى في الضلمة لحد ما لقيت نفسي برة المـ،ـشـ،ـرحة كلها في الغيطان..

قعدت مكاني وانا بتنفض ومش مستوعب اللي بيحصل قدامي، وقعدت برة تحت نخلة قدام المبنى الغرقان في بحر من الظلام لحد تاني يوم، أكتر من ست ساعات وانا قاعد تحت النخلة مبتحركش، مستني الصبح بفارغ الصبر عشان أمشي من المكان ده كله بعد ما أبلغ عن المجنون ده..

ليلة تقريبا كانت من أسوأ الليالي اللي عدت عليا، في النهاية طلعت الشمس ودخلت للمشرحة يمكن أفهم أي حاجة، وعشان استنا الإدارة واعمل معاها مشكلة كبيرة بسبب السكن، بس أول ما دخلت شميت ريحة غريبة أوي وقلبي كله اتقبض، قربت ناحية صالة التشريح وجسمي كله اتنفض..

كان فيه جسمين نايمين على الطاولتين، الجسم الأول للجـ،ـ،ـثة اللي شرحتها امبارح بتاعت البنت واللي دخلتها بنفسي في الدرج بتاعها، بس المفزع هو الجسم التاني اللي كان جسم عوض..

عوض كان ممدد على الطاولة جـ،ـثة بلا روح وعنيه كلها اتحولت للون الابيض ووشه كان اسود مخيف وفاتح بقه على أخره، كان شبه المومياء الصـ،ـارخة اللي شوفت ليها صور من فترة، شكله كان مر..عب بكل معاني الكلمات..

اتصلت فورا بالإدارة وبلغتهم وجت الشرطة تحرر محضر بالواقعة، وتم التحفظ على الجسمان وبعتوا يجيبوا دكتور يشرح جثة عوض لاكتشاف سبب الوفاة لأني كنت مشتبه بيه..

بس كنت عارف ان مع تقرير الطب الشرعي هيظهر اني مش الجاني، وقتها وبالصدفة لقيت دفتر فيه اسماء وارقام دكاترة تشـ،ـريح كانوا شغالين في المـ،ـشـ،ـرحة دي قبل كدا..

وبدون وعي اتصلت مرة واتنين وتلاتة، وكنت بسألهم كلهم عن عوض..

والكل أجزم انه مجنون سادي بيضرب الجثث ويعذبها ويتعامل معاها بخشونة، وده لأنه هنا بيعتبر كببر أكبر عيلة في المنطقة، انسان غريب والكل بيتحاشاه من الأساس، حتى مجلس الإدارة اللي يعتبر ضيوف على البلد، وعوض كان عنده مـ،ـ،ـرض انه بيعتبر نفسه إله .

وطلع التقرير ان الراجل مات بسكتة قلبية وهبوط حاد في الدورة الد..موية، وطبعا فضلت يوم كامل مستني التقرير اللي طلع بالليل، ووثقت الشرطة المحضر وطلعت إذن الدفن والجـ،ـثمان يطلع الصبح..

أهله مكانش عندهم أي خبر، والشرطة بلغتنا نبلغهم بكرة عشان لو عرفوا الليلة هيجوا يكسروا المشرحة وياخدوه، وفوجئت بنفسي الليلة مع جثة عوض، عوض اللي كنت بخاف منه..

هتصدقوني لو قولت اني حطيته على الطاولة ومسكت العصاية، ونزلت فيه ضرب وانا بقول:

– ايه رأيك يا عوض دلوقتي انا شايف انك مشاغب وهتتعبني فبضربك

وصدقا كنت سامع صوت الجـ،ـ،ـثة بتزوم وبتتوجع، صوت كان عامل زي صدى الصوت، حرفيا خليت رجليه تدمر من الضرب، حتى اني ولعت سيجارة وطفيتها في جسمه زي ما كنت بتخيل، وبعدها رجعته مكانه، وفضلت طول الليل ضميري بيأنبني وكمل معايا تأنيب الضمير لحد شهر كامل، وجالي بعدها أمر رجوع..

واليوم اللي كنت راجع فيه بس عرفت من واحدة ست عجوزة غلبانة كانت بتبيع مناديل عند محطة القطر بالصدفة البحتة ان عوض ده كان ظـ،ـالم، بل وان اخوه الصغير هو اللي اغ…. البنت ولما قاومته مـ،ـوتها، بس محدش كان يقدر يقول..

وعوض كان عارف جبروت أهله، بل كان ممكن يكون بيضرب جـ،ـ،ـثة البنت عشان قاومت أخوه، راجل مهووس ومجنون ويستحق اللي جراله، وبصراحة حسيت بارتياح لما افتكرت اللي عملته في جـ،ـثته..

بس الغريب اني بقالي شهرين وانا بشرح بحس بحنين وهاجس بيقولي اني اضرب الجثث واعذبها، وخايف اسمع للهاجس ده في مرة، خاصة اني بشوف دايما مشهد وانا بطفي السيجارة في جـ،ـ،ـثة عوض..
بقلم: أحمد محمود شرقاوي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
0

أنت تستخدم إضافة Adblock

انت تستخدم اضافة حجب الاعلانات من فضلك تصفح الموقع من متصفح اخر من موبايلك حتي تقوم بتصفح الموقع بشكل كامل