
اشتغلت بيبي سيتر برغم اني راجل، بس مكنش قدامي إلا الشغلانة دي، لإني عاطل بقالي كتير، والظروف من أصعب لأصعب، وإلتزامات ملهاش أول من اخر..
لقيت اعلان في جرنال ما، كان عبارة ان مطلوب بيبي سيتر، جليسة اطفال، وكان المرتب قليل جدا، وعشان كده قدمت كنت عارف انهم هيقبلوا، لأن مفيش حد هيقبل يشتغل ب٨٠٠جنيه في الشهر..
اخدت الرقم من الإعلان واتصلت وردت عليا ست كبيرة، صوتها بيدل على سنها
وحددت لي ميعاد تاني يوم بليل الساعة ١٢!!
خوفت وقولت لنفسي هو فيه ميعاد شغل، او انتر فيو يبقى الساعة ١٢ بليل!!!..
لكن بعد لحظات وافقت واخدت العنوان اللي كان في ش اسماعيل محمد، الزمالك…
عدى اليوم وانا عمال افكر في الموضوع، وقلقان اني اروح وفي نفس الوقت محتاج لاي شغل يجيب حتى مصاريفي، وبم انه في بيت يبقى هاكل واشرب وهوفر الفلوس بتاعت المرتب، وقررت انزل واروح المقابلة، اهو اي حاجة بقى وخلاص…
وصلت للمكان، فيلا صغيرة جدا، بتتوسط عمارتين، لها مدخل صغير لجراج يساع عربية واحدة، وباب للفيلا نفسها، من دور ارضي ودور اول علوي..
سميت الله ورنيت الجرس، ففتحت لي ست عجوزة، عدت الستين، ماسكة عكاز اسود غريب اليد بتاعته عبارة عن رأس افعى!!، بصت لي بعد ما نزلت النظارة اللي لبساها على طرف مناخيرها ودققت في ملامحي وكإنه فحص طال لثواني وقالت: انت مين؟!..
انا مين؟! انا يافندم كلمت حد امبارح في التليفون بخصوص الإعلان ده، ووريتها الاعلان، فقالت: اه، افتكرت، معلش يابني، ثواني ورجعالك..
غابت لدقايق ورجعت معاها كحول، وكام بخاخة كده فيهم معقمات، وفضلت ترش عليا لحد مكان هيجيلي ضيق تنفس…
وبعدها قالت لي اتفضل ادخل، معلش يا حبيبي، انت عارف المرض، ولازم ناخد احتياطاتنا، انا ست كبيرة وفيه كمان طفل جوه…
ابتسمتلها وقولتلها انا مقدر يافندم طبعا، ربنا يعدينا منها على خير ان شاء الله..
مشيت قدامي، وانا كنت بتبعها، وانبهرت بتصميم الفيلا القديم من الداخل والزخرفة والنقوش الجميلة اللي على سقف الفيلا والجدران، تابلوهات فنية في كل مكان، وشكلها قيمة جدا، بالإضافة للتحف والأثاث اللي يحسسك ان دخلت متحف للقطع الأثرية النادرة،كان المنظر جميل كإني بتمشي في متحف…
كل ده عدى فات دقيقتين تقريبا في مكان واسع كبير من باب الفيلا لحد ما وصلت لاخر المكان، برغم ان الفيلا تبان صغيرة من الخارج الا انها واسعة جدا من الداخل، وفي اخر المكان ده اللي ممكن اطلق عليه ان صح التعبير الريسيبشن بتاع الفيلا، او المتحف الصغير ان صح القول..
لقيت راجل عجوز جدا قعيد كرسي متحرك يبان عليه الكبر والشيب، وطفل يبدو عليه ان بيعاني من مرض نفسي، لان حركاته مكنتش طبيعية، وبدأت الست تعرفني عليهم وقالت:
ده يا ابني زوجي، الدكتور توفيق بدران، دكتور المخ والاعصاب في جامعة كامبريدج، وده ابني رامز، عنده ١٢ سنه، بس بيعاني من مرض غريب ونادر في المخ، واعرفك بنفسي، انا اسمي مدام ألفت البنا ، وانا اسمي عبد الله حسين يا فندم…
اهلا يا عبدالله، انا عارفه ان الشغل صعب، وعارفه ان المرتب قليل بس نظرا للظروف ده اللي نقدر نوفره حاليا، وصدقني، هتكسب ثواب كبير في مراعاة اتنين عجايز وطفل مريض، البيت بيتك، كل واشرب زي ما تحب، واختار اي أوضة تحبها عشان تكون اوضتك، انت هتبقى معانا طول الاسبوع، وهتنزل اجازة يوم الجمعة من الصبح تجي السبت الصبح، وانا هزودلك المرتب، شكلك شاب طيب ومحترم..
قولتلها انا موافق بس لازم ارجع البيت دلوقتي اجيب هدومي وارجع لاني معملتش حسابي خالص، فوافقت، ومشيت…
كنت متردد ارجع، بفكر ومحتار وعقلي فقد صوابه!!ارجع ولا مرجعش، عقلي يقولي اهرب وقلبي يقولي هتاخد ثواب كبير لحد ما الفجر اذن وصليت وبعدها قررت، قررت اني ارجع واقبل الشغل…
نمت شوية بعد الفجر وصحيت على ٩ الصبح حضرت شنطتي وفهمت اهلي اني هشتغل في اسكندرية ومش هعرف اجي الا كل اسبوع يوم، ومشيت في اتجاه الفيلا، وصلت واول حاجة مدام ألفت قالتهالي: كنت متأكدة انك هتختار انك ترجع برغم صعوبة الشغل، شكرايا عبدالله انك جيت..
ودخلت وبدأت تحكيلي:
عارف يا عبدالله، انا عندي ٦٢ سنة، وزوجي عندة ٨٠سنة، خلفنا رامز على كبر بعد ما فقدنا الأمل، وده كان سبب يمكن في مرضه، يمكن ربنا بيمنع عنك حاجة لسبب وبتفضل تلح فبيبعتهالك عشان تعرف هو ليه كان مانعها عنك، او يمكن عشان يخفف عنك في الدنيا، كإختبار وبلاء، الولد اتولد طبيعي جدا، ومع مرور الوقت ووصل لسن ٧ سنين بدأ يتغير، ويخترع شخصيات في خياله ويعيش معاها، ومع الوقت اتحبس في العالم الافتراضي ده اللي هو اخترعه، زوجي حاول يعالجه، لكن مقدرش وده سبب مرضه، انه فشل يعالج ابنه اللي اتمناه من الدنيا، فاتشل وفقد الكلام والحركة، وهو كده بقاله سنتين كاملين..