منوعات

دنيا غريبة

أول حاجة عملتها بعد ظلم أخواتي ليا، إني أكلت طبق كشري وأبص للدنيا بنظرة تانية، نظرة راجل مظلوم حابب يمشي ويسيب وراه كل حاجة. مش هقدر أنسى يوم ما أمي مسكتني من إيدي، وقالتلي: “أوعى، عشان خاطري، تعمل مشكلة مع أخواتك.”

وعشان الجملة دي، أنا قررت أسيبهم وأمشي، وقلت كفاية إن أمي تبقى راضية عليا في تربتها. وإذا كان على الفلوس، مصيري أعمل غيرها.

خلصت أكل وركبت أول قطر بيتحرك من بلدنا، لا عارف هروح لمين، ولا هوصل فين. وبعد 3 ساعات، وصلت القاهرة. لا معايا فلوس، ولا معايا أمان للناس بعد ما أهلي كلوا حقي.
اللي كان مصبرني على كل الهم ده، إني بنفذ وصية أمي، اللي كل حلمها الأخوات ميقطعوش بعض قدام الناس. حاولت معاهم عشان يدوني حقي، بس قلوبهم كانت صعـ،ـبة. فهي عارفة إني بحبها وهسمع كلامها.

ولاد الحلال شافولي شغل في مصر، بس كان شغل غريب بالنسبالي. اللي لقيته قدامي وقتها، كان أحلى من مفيش.
اشتغلت صبي حانوتي، وعلى قد ما هي محتاجة قلب قوي، على قد ما كانت شغلانة بتهذب النفس. خدمة توصيل الإنسان لرحلته الأخيرة، على رأي المعلم صابر اللي كنت شغال معاه.

وبعد كذا سنة، مات المعلم صابر، وأنا اللي وصلته بنفسي. ومن وقتها، بقيت المعلم مكانه، فبقيت أكسب أكتر، واتلهيت في الشغل. بس مكنش ليا صحاب، وده عيب الشغلانة الوحيد، لأن الناس بتتشائم منها.

كان صعب تعيش من غير صحاب، بس عادي، الواحد مش هيموت يعني. وبعد فترة كبيرة، حاولت أسأل عن أخواتي، لقيت أخويا الكبير تعبان بقاله مدة كبيرة، وخسر كل فلوسه، ومحدش بيصرف عليه، وبقى لوحده.
كنت ببعتله فلوس كل فترة من غير ما يعرف مين بيساعده. فضل الحال كده شهور، لحد ما حان وقته وراحت روحه للي خلقها.
سافرت في عتمة الليل، ورحت غسلته وكفنته، ودعيت ربنا إنه يسامحه على ظلمه ليا. ووقفت، خدت عزاه، وقعدت اليوم كامل هناك. وقبل ما أسافر، جت مراته، اللي كانت قاعدة في بيت أهلها عشان متخدموش، وأدتني بنته الصغيرة، وقالتلي: “خد لحمك، دي بنت أخوك، وأنا عاوزة أتجوز، مش فاضيلها.”

يومها، حسيت إن ربنا عوضني عن كل اللي أخويا خده مني، وإن بنته هدية ليا متتقدرش بمال. فرحت بيها، وخدتها في حضني، وسافرت.
غيرت حياتي كلها حب ودلع وشقاوة.
لو كنت طايل أديها عمري، كنت عملت كده.

كبرت البنت، وبقت عروسة. وكبرت أنا، وبقيت عجوز.
بطلت الشغل، بس مبطلتش أحبها.
كتبت كل حاجة ليا باسمها، عشان يبقى أبوها خد اللي ليا زمان بالظلم، وبنته كملت وخدت الباقي، بس بالحب.

كانت دنيا غريبة، بس المريح فيها، إننا رايحين للحق. هناك مفيش ظـ،ـلم، مفيش غــ،ـدر، مفيش نهـ،ـب.
هناك فيه كل اللي قدمته في الدنيا. وعشان كده، حاولت أكسب الجنة، وأخـ،ـاف من النار، وأتقي شـ،ـرها، حتى لو بشق تمرة. ❤️

#وليد_يسري
waleed yosry

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
16

أنت تستخدم إضافة Adblock

انت تستخدم اضافة حجب الاعلانات من فضلك تصفح الموقع من متصفح اخر من موبايلك حتي تقوم بتصفح الموقع بشكل كامل