
كلنا تقريبًا بنشوف إن أكبر قوة شر متمثلة في الشـ،ـياطين والجـ،ـن.. لكن مافيش مرة فكرنا في النفوس اللي بتسخر كل ده في خدمة الشـ،ـر، وبتتحول الشيـ،ـاطين ساعتها لأدوات بتخدم شر اللي سخرها، والنفس البشرية هي أساس الشر، والعامل الأساسي اللي بيتبني عليه كل شيء سيء وقذر.. النفس السيئة بتهيأ لصاحبها كل السبل الممكنة والغير ممكنة إنه يُشبع شهوته في ممارسة الشـ،ـر..
شارعنا موجود جوه منطقة شعبية، وجوه شارعنا، وتحديدًا قصاد العمارة اللي أنا ساكن فيها في أرض فاضية وعليها سور من الطوب.. بالبلدي كده هي خرابة، مليانة زبالة أعزكم الله، ومستنقع للحشرات، ومن تكدس الزبالة فيها بتولع لوحدها بسبب حر الصيف.. سنين ووسنين وفضلت الخرابة على دا الحال، لحد ما صحينا يوم الصبح لقينا دوشة وأصوات حفر وخلافه، وعرفنا إن في ناس اشتروا حتة الأرض دي، وقرروا يبنوا عليها عمارة سكنية كبيرة.. ساعتها كان لسان كل واحد من سكان شارعنا بيقول: إن أخيرًا القرف ده اتشال، وهيبقي مكانه في حاجة كويسة بدل الريحة النتنة والحرايق اللي بتحصل في الخرابة.. وفي خلال سنة تقريبًا كانت العمارة خلصت وسكنت بالكامل.. بس بصراحة؛ بعدها بقينا نقول بندم: ياريت الخرابة فضلت والعمارة دي ماكنتش اتبنت.
اتعرفت العمارة باسم عمارة الشمري نسبة لصاحبها، وبقيت أشهر عمارة في الحي بالكامل بسبب الأحداث اللي حصلت فيها.. وبرغم إن فات على الأحداث سنين، إلا إن لسه سيرة العمارة وحكايتها عايشة بين الناس وبيحكوا عنها وعن غرابتها ورعبها لحد يومنا ده.
العمارة كانت 6 أدوار.. كل دور على شقة واحدة، وكل شقة بيسكنها أسرة ما جديدة عن منطقتنا لأن طبعًا العمارة لسه جديدة.. الدور الاول كان ملك لواحد اسمه محمد، وده كان بيوضبها عشان يتجوز، بالتالى كان بيجي كل فترة يظبط حاجات في الشقة ويمشي.
الدور التانى ملك لأسرة مكونة من 4 أفراد أم وأب في التلاتينات محمود وايمان وابنهم رامي وبنتهم رضوى
الدور التالت كان لست أرملة اسمها مدام جيهان قريبة صاحب العمارة، عندها يجي ٥٠ سنة كده.
الدور الرابع ساكن فيه عم سيد، وده راجل في السبعين من عمره ومراته الحاجة إلهام.
الدور الخامس كان ابن صاحب البيت عصام وعروستة، اللي يا دوب اتجوزوا بعد شهر من انهاء بناء العمارة وكانت تقريبًا سكنت كلها.
الدور السادس والأخير كان بيسكنه العيلة الأغرب على الإطلاق، راجل رب أسرة اسمه متولى الدمرداش، وزوجته الحاجة أم ياسر، ومعاهم ابن مراهق تقريبًا عنده 20 سنة، وكان ليهم ولدين كمان وبنتين متجوزين ومخلفين وبيزورهم كل فترة زي أي بيت مصري مترابط عادي، كل ده يبان عادي، إنما اللي مش عادي تصرفات وشكل ابنهم شهاب المراهق، أول ما تشوف شهاب من النظرة الأولى هتعرف انه شخص غير سوي ومدمن نوع من أنواع المخدرات، تايه دايمًا، وعنيه مسقطة وحمرا تحس إنه نعسان على طول، ومشيته كأنه خارج من فيلم للزومب، طريقة كلامه وصوته ومخارج حروفه مش مظبوطين، مش تريقة، هو بيتكلم بطريقة عجيبة، حتى لبسه كان غريب جدًا..
وفي يوم سمعنا خناقة كبيرة ما بين عم متولي وشهاب ابنه، وكان صوتهم عالي جدًا، ولأن الدور اللي أنا ساكن فيه هو السادس زيهم، والعمارة في وش العمارة، فأنا سمعت كل الحوار اللي دار بينهم، وقال الحاج متولي لابنه:
_ أنت مش ناوي تتعدل بقى؟ أنت إيه يا أخي شيطان؟ كل شوية أقول لنفسي ماتقفش عليه، سيبه بكرة هيكبر ويعقل ويرجع عن الطريق اللي هو ماشي فيه ده، لكن ولا بيحصل حاجة، كل يوم بتزيد شيطانتك أكتر وأكتر.
فرد عليه شهاب بطريقة كلامه زي المتسولين:
_ بقولك إيه ياعم أنت، أنت تحلك وتفكك مني خالص عشان مش نقصاك، أنا أعمل اللي يعجبني براحتي، أنت مش هتشاركني.
رد عم متولي وقتل له:
_ يا ابني أنا لحد دلوقتي مش راضي أطردك، ولا أخلي أخوك الكبير يتدخل ويمد إيده عليك، لكن الموضوع زاد وانا مابقتش قادر عليك خلاص، وأنت كل مادا قلة أدبك بتزيد، والمرة دي النتيجة اهي، أمك مطلعة من جيبك شريط برشام.
فرد شهاب على أبوه بكل قلة أدب:
_ هات بس ده كده ومالكش دعوة بيا وميخصكش.
سمعت بعدها صوت خبطت ورزع والزعيق زاد وبقى أعلى، فنزلت بصراحة وطلعت على شقتهم، وماكنتش لوحدي، كان معايا معظم الجيران.. حاولنا نهدي الوضع ونخلي الأب يجتنب ابنه، ومن الواضح إن شهاب مش في حالته الطبيعية.. خلصنا الموضوع وجزء مننا بدأ يهدي عم متولي، وجزء مننا أخد شهاب وفضلوا يكلموه وفوقناه، وخلناه يصالح والده ويعتذر له، ويوعده إنه هيبطل وهيرجع عن الطريق اللي هو ماشي فيه ده..
فات بعدها شهر؛ وكانت الأمور مستقرة وكل الناس في الشارع عايشة حياتها اليومية عادي جدًا.. وفي ليلة سمعنا عم متولى بيزعق كالعادة لشهاب وبيقول له:
_ أنت كمان جايب واحدة البيت، أنت إيه خلاص فجرت للدرجة دي وماحدش قادر عليك؟
وبعدها بدقيقة نزل شهاب من العمارة ومعاه واحدة فعلًا وفي ثواني اختفوا، ونزل الراجل وراه وهو في حالة هيستيرية وبيبكي وبيقول:
_ استعوضت فيك ربنا خلاص، يا رب يا تاخده يا تهديه وترجعه عن الطريق ده.
كالعادة اتلمينا وبدأ الراجل يفضفض بالكلام ويقول:
_ الواد كان طبيعي وكويس وزي الفل والله، ومن سنة بدأ يتغير، ده ماكنش بيسيب صلاة، فجأة بدأ يقلل واحدة واحدة لحد ما لما بقى مابيركعهاش،وماكنش بيشرب سجاير، وبدأنا نشم ريحتها في هدومه فقولت شباب وبتجرب، وقعدت معاه مرة واتنين ونصحته، لكن الأمور اتطورت بسرعة، بقا على طول حابس نفسه في أوضته، ومابقيناش نشوفه إلا بس وهو نازل، وأول ما يرجع يدخل على أوضته ويقفل الباب على نفسه، بقينا نسمع من أوضته مزيكا غريبة كلها خبط ورزع وأصوات عالية ومزعجة.. ده كمان مابقاش يغير هدومه، ممكن يقعد لابس تي شيرت شهر، والله حد ما بقا يرضى يستحمى خالص.. أنا مش قادر أفسر اللي بيحصل له، إخواته عُمر ما حد فيهم زعلني ولا عمل حاجة بره حدود الأدب، لكن ده اتشيطن.. ساب الصلاة وبقى يشرب مخدرات، وأهو وصل بيه الحال والمرة دي جايب لي واحدة البيت.. أنا خلاص فاض بيا، واتصلت بأخوه الكبير هو بقى يتصرف معاه، أنا كبرت ومابقيتش قادر عليه خلاص..
كلام عم متولى كان غريب جدًا، وناتج عن حد فاض بيه فعلًا، ومابقاش لاقي حل مع حال ابنه اللي اتغير ١٨٠ درجة، بس للأسف إحنا مافيش في إيدينا حاجة نعملها غير إننا نسمع ونحاول نطيب خاطره، وندعي لشهاب إن ربنا يهديه..
فات بعد الموقف ده ٣ أيام.. وفي ليلة قرب الفجر؛ حصل زعيق جامد كالعادة.. وفجأة سمعنا المرة دي صوت بتترزع ووقعت من مكان عالي على الأرض، وبعدها سمعنا صوت صريخ مرعب، نزلت أجري على عمارة الشمري، وكل الناس اتجمعوا ودخلنا العمارة، عشان نوقف كلنا مصدومين من المشهد اللي شوفناه.. الصدمة إننا لقينا شهاب واقع في حوش أو بير السلم وغرقان في دمه.. وجسمه كله متكسر تقريبًا من الوقعة من الدور السادس على سيراميك أرضية الحوش.. مشهد مرعب؛ ويخلى الجسم يقشعر والعين تدمع على موت شاب في بداية حياته بالطريقة دي، وأكيد مات وهو مش في وعيه، كل اللي نقدر نعمله في سرنا إننا ندعي له ربنا يسامحه.. ساعتها اللي جري يطلب الإسعاف، واللي راح يكلم البوليس، ووسط كل ده؛ نزل من فوق عم متولي وأخو شهاب الكبير ووالدته.. جري عم متولي ومراته ونزلوا على الأرض وحضنوا ابنهم الميت في مشهد مؤثر أجبر كل اللي واقفين على العياط والتأثر، إلا إن أخوه فضل واقف مكانه ماتحركش، وده كان غريب في حد ذاته.. الإسعاف والشرطة والنيابة وصلوا، وبدأت كل جهة فيهم تعمل دورها.. فالشرطة عملت كاردون حوالين الشارع والعمارة، والنيابة والبحث الجنائي بدأوا في رفع البصمات وتوجيه بعض الأسئلة لأهله والناس، وقامت الإسعاف بنقله للمشرحة عشان استكمال عملية التشريح ومعرفة التتيجة إن كان انتحر ولا وقع ومات بفعل فاعل.. وبعدها انفضت الناس، والنيابة أخدوا والد وأخو شهاب معاهم عشان يستكموا التحقيق والإجراءات.