
القصة كاملة
من أول مرة شوفت فيها عريس أختي، لما كان جاي يتقدم، لله في لله كده ما ارتحتلوش، كان فيه حاجة جوايا بتقولي متوافقش، لو وافقت هيحصل كارثة أو مصيبة بعد كده، وبرغم إني فعلاً موافقتش، إلا إني مقدرتش أقف قدام رغبتها عشان مبقاش ظلمتها، لكن اللي حصل بعد كده كان عندي حق فيه، لأنه كان خارج حدود العقل والمنطق.. وحتى الخيال.
يومها كان جاي لوحده من غير تهله، ولما سألناه ليه مجابش أهله معاه، قال إنه ملوش حد ولوحده دايمًا، أسرته المكونة من أب وأم وأختين اتوفوا في حادثة من 10 سنين، ومن يومها وهو عايش لوحده، وإنه من محافظة تانية وليه أهل بس من يوم ما اتولد ميعرفش حاجة عنهم، أسرته كانت مقاطعة باقي عيلته ولسبب ما والده ووالدته استقروا في القاهرة، وعاشوا حياة منفصلة عن باقي العيلة ومنعوا عيالهم من التعرف عليهم والوصول ليهم.
ده خلاني ماارتحيش أكتر.. بعدها حصل نقاش بيني وبين أسرتي لما خلص زيارته لينا ومشي، وقولت إنه شخص لا يصلح لينا وربنا يوفقه مع حد تاني، لكن زي ما قولت أختي صممت عليه، وبما إنهم شغالين مع بعض في نفس المكان، فمن الواضح إن ما بينهم معرفة خليته يجي يتقدم، فرضخت وقولت خلاص مادام عايزين بعض، كل واحد حر في اختيار شريك حياته اللي هيكمل معاه.
بعدها بيومين لقيته بيكلمني، وبيسألني عن القرار اللي أخدناه في موضوع الجواز، فجاوبته إننا موافقين وكل شيء تمام، فاداني ميعاد بعدها بكام يوم، وتحديدًا الجمعة عشان يعدي علينا وياخدنا نروح نشوف شقته، فوافقت.
ويوم الجمعة بعد ما نفذنا الاتفاق، روحنا نشوف شقته اللي كان مكانها في منطقة كويسة جداً، وكمان في عمارة ضخمة حديثة، فميلت على أختي وسألتها:
ـ هو سامر بيشتغل إيه بالظبط في الشركة عندكوا؟ فقالت:
ـ هو عميل عندها في الشركة مش شغال معانا.. وهو عنده شركة استيراد وتصدير ورثها عن أبوه.
ودي كانت صدمة بالنسبالي إن كلامها اتغير، حسيت إن ملامحها اتبدلت وسيطر عليها الكسوف والإخراج لانها كدبت عليا وقالت إنهم شغالين مع بعض، لكني حاولت أتماسك وأكتم غضبي عشان أعدي اليوم على خير، ولما نرجع البيت يكون في حل.
طلعنا بالأسانسير للدور التاسع، وبعدها هو سبقنا بخطوتين وفتح الشقة، ولما دخلنا حسيت إن الشـ,ـقة ليها ريحة مميزة، ريحة سيئة ومعفنة كإنها مقفولة بقالها 20 سنة.. باللفظ ريحة مكمكة..بس في نفس الوقت كإن حد مولع فيها بخور أو رش نوع معطر فعملوا ميكس ريحة يخنق.. وأول ما دخلنا كلنا بدأنا نكُح، وأمي قالتله وهي مش قادر تاخد نفسها:
ـ إيه يا ابني الريحة دي؟ أنت مفتحتش الشقة دي من امتى؟
جاوب ببرود:
ـ أنا عايش لوحدي، وباجي على النوم وبس، أومال أنا عايز اتجوز ليه؟ عمومًا الموضوع عادي والأمر طبيعي.
كان هاين عليا امسكه اضربه في اللحظة دي واللي يحصل يحصل، لكني مسكت نفسي عنه لأن معايا أهلي ومش هينفع أعمل حاجة زي كده أبدًا.
بدأ هو يفتح شبابيك الشقة عشان الهوا يدخل، وبدأنا نتفرج على الشقة اللي كانت واسعة جدًا، ومفيهاش حاجة تذكر غير إنها فاضية تمامًا وعلى السيراميك، باستثناء أوضة واحدة فيها سرير وقديم يكاد يكون متهالك، وباقي الأوض كلها فاضية وعلى السيراميك زي الشقة، ولاحظت أوضة واحدة مقفوله، فسألته:
ـ مش هتفتح الأوضة دي نشوفها؟
جاوب بنفس البرود وقال:
ـ لا.
بدأت أخرج عن شعوري وقولتله:
ـ لا ليه يعني؟ افتح الأوضة خلينا نشوفها.
بصلي بغضب وقال بصوت في نبرة حدة:
ـ مش من حقك تشوفها، أنا مش عايز حد يشوفها أو يدخلها، هي خاصة بأمي وبيا وبس، اللي فيها ميهمكش.
وفي اللحظة دي امي ادخلت وقالت بنبرة فيها لطف:
ـ خلاص يا رحيم يا ابني، سيبه على راحته، كل واحد وليه خصوصياته.
للأسف وللمرة التالتة سكت وعديت اليوم لحد ما رجعنا البيت، وساعتها زعقت لأختي وقولتلها:
ـ إزاي تخبي عليا أو تكدبي في موضوع شغله ده؟
ردت أمي:
ـ خلاص يا ابني بقى، المهم إنه شخص كويس، وواضح إنه يقدر يفتح بيت، وأنت ابقى روح أعمله زيارة في شغله.
في الوقت ده هو اتصل عشان ياخد ميعاد للخطوبة، وأمي أجبرتني إني أديله ميعاد بعد أسبوع، وشاورتلي إني أطلب منه أروحله الشغل، فعملت كده غصب عني، وهو وافق وإداني عنوان شركته، واتفقنا إن تاني يوم هروحله.
تاني يوم في الميعاد اللي اتفقتنا عليه كنت عنده، بعد ما وصلت لمكان أقدر أوصفه إنه صحراء، ارض فاضية فيها مبنى يشبه المصانع، ولولا إن معايا عربية عمري ما كنت هوصل للمكان ده أبدًا، قربت من الباب واتصلت بيه، وبعد 5 دقايق لقيته خرج من بوابة المصنع وقاللي تعالى ادخل.
لما دخلت معاه لقيت نفسي في مكان كأنه مهجور، فيه آلات وماكينات مفهمتش دي بتاعت إيه؟ المكان يشبه الأماكن المسكونة بالأشباح ومفيهوش موظفين نهائي، مشيت معاه لحد ما دخلنا أوضة مكتب ماتقلِش في المنظر الغريب عن المكان من بره كتير.. سامر سألني:
ـ تشرب إيه؟
ـ قهوة مظبوط.. بس قبل أي حاجة؛ هو إيه المكان ده؟ وفين الموظفين؟
رفع سماعة تليفون داخلي وهو بيقول:
ـ هاتي اتنين قهوة مظبوط.
وبعدها ابتسم ابتسامة صفراء وكمل وقال:
ـ فيه موظفين عادي، بس هما في البريك، أنت بس مش طايقني من الأول فمستغرب كل حاجة، أنا حاسس باللي جواك.
قام وقف بعدها ومشي لحد باب الأوضة وقال:
ـ أنا مش بس بحس بالناس يا رحيم، أنا بعرف اللي جواهم بالحرف، تقدر تقول موهبة خارقة، إن أنا عندي القدرة على معرفة اللي بيدور في أذهان الناس، يمكن ده مُأرق للبعض، لكنه بالنسبالي متعة، حتى كمان أنا أقدر أتوقع أحداث بسيطة ممكن تحصل، حتى بص، الباب هيخبـ,ـط لما تعد من 1ل10 والبنت هتيجي بالقهوة، عد يا رحيم..
معرفش ليه بدأت بالعد فعلًا.. كنت مجبر إني أنفذ كلامه، وأول ما وصلت للرقم 10 الباب خبط، قام هو فتحه وعلى شفايفه ابتسامة انتصار رهيبة، وكان ورا الباب فعلاً بنت معاها قهوة، ولاحظت إن شكلها غريب جدًا.. رفيعة بطريقة مبالغ فيها، تحت عنيها أسود جدًا وملامحها باهته ووشها شاحب.
أخد منها القهوة وشاورلها تمشي، رجع وحط القهوة قدامي وهو بيقولي:
ـ اتفضل، اشرب قهوتك.
شربت القهوة وأنا جوايا نفس الإحساس كإني مسلوب الرغبة والإرادة، حاسس إني في حلم مش حقيقة، زي ما أكون عايش الأحداث فعلاً بس روحي مش في جسمي.
الوقت مر معاه في كلام كتير مش فاكر منه أي حاجة غير إن اتولدت جوايا رغبة بالموافقة والقبول ناحيته، وإزاي ده حصل.. معرفش!.
خرجت من المكتب وأنا مغيب تقريبًا، خرجت من المكان ده وركبت عربيتي ورجعت البيت، ولما وصلت وأمي سألتني عن اللي حصل، لقيتني بقولها إنه شخص كويس وناجح، ولقيت عنده مصنع للبطاطس المغلفة وبيصدرها لعدد من الدول العربية والافريقية.
بعد ما خلصت معاها كلام حسيت للحظة إني مش فاكر إنه قالي كده، إنما وأنا بحكيلها كنت سامع صوته في ودني بيلقني الكلام ده اقولهولها.. وفي نفس الوقت مكننتش حاسس غير إنه صوت خارج من جوايا.